بيروت مدينة الأحزان.. أفلام تناولت الأزمات اللبنانية المتلاحقة
صدى وادي التيم – فن وثقافة /
لبنان التي عُدّت طويلًا واحدة من أجمل البلاد العربية تعيش الآن وقتًا صعبًا جدًّا بسبب الاضطرابات السياسية التي أثرت في البنية التحتية للبلاد، فافتقد السكان الرعاية الصحية والخدمات اليومية من وقود ومأكل ومشرب وكهرباء، وأصبحت على حافة مأساة يغض العالم الطرف عنها في ظل الأزمات المتلاحقة التي يمر بها كوكبنا.
ولكن تلك ليست الأزمة الأولى التي تحدث للبنان، فهذا البلد نكب من قبل بالحروب الأهلية والاعتداءات الإسرائيلية وغيرها من المصائب التي حاول السينمائيون تفكيكها في أفلامهم، واستقراء الماضي لحماية المستقبل، لكن يشاء القدر أن تكون كل كارثة جديدة مختلفة عن تلك التي تسبقها.
هلأ لوين
نادين لبكي واحدة من أهم صناع الأفلام الحاليين في العالم العربي، قدمت أفلامًا شديدة المحلية عن أزمات بلادها من أصغرها إلى أكبرها، وخرجت بهذه المشاريع السينمائية الطموحة إلى العالم، إذ عُرض فيلمها “كفر ناحوم” في مسابقة مهرجان كان السينمائي وفاز بجائزة لجنة التحكيم فضلا عن 3 جوائز أخرى من المهرجان، ورُشّح لأوسكار ضمن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية.
ولكن اخترنا هنا فيلمًا يسبق كفر ناحوم، وهو “هلأ لوين” إصدار عام 2011 الذي عُرض في مهرجان كان السينمائي في برنامج “أن سيرتن ريجارد” (Un Certain Regard)، وتدور أحداثه في إحدى القرى اللبنانية النائية، حيث تعيش سيدات البلدة في قلق دائم بسبب الحرب الأهلية التي ما إن تنطفئ نارها حتى تشتعل من جديد، وتجعل من أبنائهن قرابين على محراب صراعات الطوائف الدينية المختلفة.
تقرر النسوة هذه المرة إخفاء اشتعال الحرب الأهلية عن الرجال، فتبدأ المفارقات المختلفة، في محاولة وقف تلقي الخبر في المدينة وغلقها على نفسها. وامتزجت في هذا الفيلم الكوميديا مع الحزن، كما هو الحال في لبنان الذي يمتزج جماله دومًا بالمأساة والدم.
1982
ننتقل من الحرب الأهلية إلى العدوان الإسرائيلي وهذه المرة مع فيلم 1982 إنتاج 2019، الذي عرض في مهرجان تورنتو السينمائي وحصل على جائزة فيه، ثم على جوائز مهرجانات عدة في أنحاء العالم منها الجونة حيث تنافس في المسابقة وحصل على جائزة النقاد/الفبيرسي، وهو من إخراج وليد مؤنس.
ومثل نادين لبكي لا يقدم مؤنس الحرب بصورة مباشرة، فلا نقف على خطوط القتال، ولكن نشاهد تأثيراتها على السكان العاديين في منازلهم، وكيف تنهار تفاصيل حياتهم البسيطة بسبب أحداث لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
هذه المرة تتركز الأحداث في مدرسة صغيرة، ونتعرف على قصص شتى؛ أهمها قصة المدرّسة الشابة التي لا تستطيع الارتباط بحبيبها بسبب انتمائاته السياسية المختلفة عن عائلتها، والصبي الصغير الذي يحب زميلته ولكن يخشى التصريح لها بعواطفه، وفي ظل هذه المشاعر المضطربة يأتي العدوان الإسرائيلي ليضع كل الشخصيات تحت ضغط مختلف هو محاولة النجاة بحياتهم، والخروج بالعربات المدرسية المحملة بالأطفال آمنين وإعادتهم إلى منازلهم.
حروب صغيرة
ومن الفيلم الذي دارت أحداثه في 1982 ولكنه إنتاج 2019 بما يعنيه هذا من رؤية مختلفة للماضي، نعود إلى هذا التاريخ بأنفسنا عبر فيلم “حروب صغيرة” إنتاج 1982 وإخراج مارون بغدادي المخرج اللبناني الشهير الذي يعرض الآن 4 من أهم أفلامه على منصة نتفليكس لتبقى دليلًا على قدراته السينمائية الفائقة.
امتلك بغدادي حس السخرية في عز الأزمات، إذ يأخذ المشاهدين في رحلة مع 3 من الشباب ممثلين عن جيل عاش عشرينياته في الحرب، والتحولات الكبرى التي يمرون بها عندما يصبح أولهم “طلال” أمير حرب، وثريا حبيبته التي يتركها عندما ينتهي منها كغرض انتهت صلاحيته للاستخدام، والثالث نبيل الذي تضغط عليه الحرب فتحوله إلى مدمن مخدرات.
تطحن هؤلاء الشباب وغيرهم الحرب الأهلية حيث تصبح هواجس الضغينة والخوف والموت والدم مسيطرة على حياتهم كل لحظة.
أحلام معلقة
السينما اللبنانية التسجيلية كذلك وثقت الحروب والمآسي المختلفة على الشريط السينمائي، وهذا الفيلم له أهمية خاصة لأنه مرتبط بالمخرج اللبناني الشهير جان شمعون وزوجته المخرجة مي المصري، وهو مشروع قدماه عام 1992، أكثر قسوة وحقيقية من الأعمال السابقة مجتمعة، حيث يأخذ المخرجان المشاهدين في رحلة حزينة للتعرف على قصص المفقودين من ضحايا الحرب الأهلية، وذلك عبر 4 شخصيات ممثلة للمجتمع الذي مزقته الحرب، وكيف تغيرت هذه الشخصيات لتعيد بناء مستقبلها. وقد سجل الفيلم عبر التصوير الميداني صور قصف المخيمات الفلسطينية في لبنان، والجنوب اللبناني، والقرى التي تعيش في مواجهة مستمرة مع إسرائيل.
ربما أكثر ما يمكن استنتاجه من الأفلام السابقة أن لبنان رغم النكبات دومًا يقف ويعيد البناء مرة أخرى، يمتلك شعبه قدرة خاصة على الاستمرار والتجاوز والنظر إلى الأمام بعين متفائلة على الرغم من بؤس الأمس، وبالتأكيد يومًا ما سنشاهد فيلمًا عن الأحداث اللبنانية الجارية يعيد تحليل الواقع برؤية أكثر منطقية بعد انتهائها.
لمياء رأفت – الجزيرة