العتَمة الشاملة حلّت… ولا مخرج إلا بالنفط العراقي

صدى وادي التيم – لبنانيات/

العتَمة الشاملة حلّت. كل لبنان شهد بأمّ العين ماذا يعني أن تنقطع الكهرباء ليوم كامل. الأسباب هي نفسها. لا فيول للمعامل، بعد تأخير فتح الاعتمادات. الانخفاض القياسي في الإنتاج أدّى تلقائياً إلى فصل كل المعامل عن الشبكة. لكن اليوم يفترض أن تعود الأمور إلى «طبيعتها» بعد البدء بتفريغ الشحنة المتوقفة أمام معمل الزهراني. «طبيعتها» تعني أن لا تزيد التغذية على 5 ساعات يومياً. وهذا الروتين القاتل لن ينهيه سوى الإسراع في توقيع عقد شراء النفط مع العراق. آخر المعطيات يؤكد أن الاتفاق شبه مكتمل. فقد تقرر أن يُدفع ثمن الفيول في حساب يفتح في مصرف لبنان، على أن يستعمله العراقيون لشراء السلع والخدمات من لبنان. أما التكرير، فلا حاجة إليه. كل ما سيتغير هو إضافة بند إلى المناقصات التي تجرى حالياً يسمح بدلاً من دفع ثمن الشحنات نقداً بأن يستبدل بالنفط العراقي

عودة تدريجيّة لإنتاج الكهرباء بدءاً من اليوم

العتَمة التي لطالما كانت هاجساً مؤرقاً لكل المقيمين في لبنان، تحوّلت إلى واقع مرير. «Black Out» شامل عاشه لبنان أمس، بدءاً من السادسة صباحاً، واستمر حتى صباح اليوم. ما حصل عيّنة ممّا يمكن أن تُسبّبه العتمة. ليست المشكلة في الإنارة أو تشغيل المكيفات أو حتى تشغيل البرّادات أو تراكم الغسيل في المنازل. العتمة تعني توقّف توزيع المياه، وتعني توقّف مصافي تكرير مياه الصرف الصحي (على قلّتها)، وتعني تعطيل المرافق الحيوية، وتعني احتمال إطفاء آلات الأوكسيجين في المستشفيات وإطفاء غرف العمليات، لعدم قدرة أي مولّد خاص، إذا توفر المازوت، على التشغيل 24 ساعة يومياً…
كل ذلك حصل، من دون أن يُحرّك أي مسؤول ساكناً. فضّل هؤلاء دفن رؤوسهم في الرمال، ومن ظهر منهم سعى إلى استغلال الأزمة في البازار السياسي، نازعاً عن نفسه المسؤولية، حتى وصل الأمر إلى أعضاء في مجلس إدارة كهرباء لبنان أعلنوا، وهم في موقع القرار، عدم مسؤوليتهم عن كل ما يحصل.
المطلوب، على ما يبدو، ليس إيجاد الحلول، بل أن يعتاد الناس العتمة كما تعوّدوا شحّ البنزين. فما جعل العتمة الشاملة واقعاً سيتكرر. شحّ الدولار وتقنين مصرف لبنان لفتح اعتمادات الفيول ورفضه تمويل حاجة القطاع إلى قطع الغيار والصيانة، ستجعل المعامل مهدّدة بالتوقّف كل يوم. لا جديد في الإشارة إلى أن الأزمة اليوم مرتبطة بتأخّر مصرف لبنان بفتح اعتمادات شحنة «ديزل أويل»، ثم تأخّر المصرف المراسل في تأكيد هذه الاعتمادات (تلك خطوة صارت ضرورية للمورّدين العالميين ليوافقوا على التعامل مع لبنان).
ماذا تفعل السلطة غير انتظار اعتمادات مصرف لبنان؟

«البشرى السارة» أن الشحنة التي وصل نصفها، في ٢٨ حزيران، إلى الزهراني (٣٠ ألف طن)، ووصل نصفها الآخر إلى دير عمار في الثاني من تموز الحالي، أفرج عن جزء منها مساء أمس، بعدما تمت الموافقة على تفريغ حمولة شحنة دير عمار، على أن تتبعها اليوم الموافقة على تفريغ شحنة الزهراني. لكن ذلك لن يشكل فارقاً. إعادة المعامل إلى العمل، ستجعل التغذية ترتفع إلى ما معدله 5 ساعات يومياً. أمس، بعدما أطفئ معملا الزهراني ودير عمار، بقيت البواخر التركية تنتج نحو ٣٣٠ ميغاواط، يضاف إليها نحو ٢٠٠ ميغاواط من معامل أخرى (صور، المعامل المائية، الجية القديم، وماكينة واحدة في كل من الزوق والجية الجديدين…)، لكن بهذا الإنتاج المتدنّي، كان يستحيل الحفاظ على استقرار الشبكة بعدما انخفض التردد إلى ٤٨ هيرتز، فيما يفترض أن لا ينخفض عن 50 هيرتز. ولذلك، أطفئت البواخر تلقائياً وتبعتها المعامل الأخرى.
الخبر نفسه سيتكرر مع كل شحنة. فُتح اعتماد، لم يُفتح. أُفرِغت الشحنة، لم تُفرغ. مصطلحات دخلت إلى القاموس اللبناني في زمن الانهيار، والمرجح أن لا تُسحب منه قريباً. فطالما هنالك شح بالدولارات، وطالما أن السلطة مستقيلة من واجباتها وارتضت الذل للناس، فلا حلول في الأفق، إلا متى تقرر الخروج من نفق المعالجات الروتينية. فما حصل في الاتفاق مع العراق، يمكن أن يحصل مع دول أخرى. لم يعرف بعد ماذا تنتظر السلطة للجوء إلى أصدقاء لبنان طلباً للفيول أو حتى الغاز، إما على شكل هبات أو عبر الاتفاق على طريقة دفع مرنة. وعلى سبيل المثال، هل تواصل أي من المسؤولين مع مصر لبحث سبل استئناف توريد الغاز عبر خط الغاز المصري؟ ثم، ما الذي حصل بمناقصة التغويز، التي ارتكبت الحكومة السابقة جريمة عدم البت بنتيجتها، نظراً إلى الفارق الهائل بين كلفة تشغيل المعامل على الغاز وعلى الفيول؟ وهل حاولت الحكومة الحالية التواصل مع المشاركين في المناقصة، لتبيان مدى استعدادهم لاستئناف عروضهم؟ لا أحد مستعد للمحاولة، وكل شيء معطّل. وإذا بقي الوضع الراهن، ولا سيما عدم توفر الأموال لإجراء الصيانات اللازمة للمعامل، فلن يتأخر الوقت قبل أن تتحول إلى خردة، فيما هي قادرة على إنتاج نحو ألفَي ميغاواط متى توفرت الأموال، وقبل الأموال، متى توفرت إرادة الحل.

ايلي الفرزلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى