معبد “بعل جاد”في الهبارية قيمة تاريخية “مفقودة” للسياحة اللبنانية
صدى وادي التيم – أخبار وادي التيم/
نعيش في ظل الثورة الرقمية أسهل وسيلة لمعرفة أي شيء في هذا الكوكب من خلال استخدام محرك البحث “غوغل”، الذي يُغدق علينا، بمجرد سؤاله أدق التفاصيل عن المعلومة المنشودة، حتى إذا لم تتطابق النتيجة لكنها قد تكون متقاربة غالباً.
كثرَت الروايات عن معبد “بعل جاد” في بلدة الهبارية بقضاء حاصبيا (جنوب لبنان)، وعن تاريخه وموقعه. قال بعضهم، في رواية غير صحيحة، إنه يقع في بلدة كفرشوبا بحاصبيا، وقال آخرون إن الهبارية كانت ممراً للسيد المسيح عندما صعد إلى جبل الشيخ “جبل حرمون”. ويؤرخ البعض المعبد بأنه يعود إلى 200 عام قبل الميلاد أو أيام الرومان، وكذلك الى أيام الكنعانيين، فيما يذكر كتاب العهد القديم اسم “بعل جاد” مرات في آياته التي يقول في إحداها: “بعل جاد في وادي لبنان تحت جبل حرمون (سفر يشوع 11-12\ صفحة 275)”.
لا شك في أن هذا التضارب في الروايات التاريخية يُشير إلى “غياب الجهات المعنية لا سيما وزارة السياحة وعن توثيق تاريخ هذا المعبد الأثري خاصة أنها مكلفة إدارة هذا الصرح التاريخي وتضع حارسين لحمايته. لذا يسأل إبن بلدة الهبارية والناشط البيئي ومؤسس “جمعية معبد بعل جاد للتنمية السياحية” رياض عيسى في حديثه لـ”العربي الجديد”: “لماذا لم يُدرج المعبد حتى الآن على الخريطة السياحية؟”.
يقع معبد “بعل جاد” وسط بلدة الهبارية على الحدود الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة وسورية، وترتفع البلدة بين 600 و1400 متر عن سطح البحر. ويُطل على البلدة شامخاً ومتجذراً في التاريخ، وهو رمز فخر أبناء البلدة والكثير من أهالي المنطقة الذين ينظمون منذ تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 مهرجانهم السنوي في محاذاة المعبد، من أجل تسليط الضوء على بلدتهم، وما تحتويه من آثار ونواويس محفورة بالصخر وكهوف وبقايا قلاع عند تلالها تعود إلى آلاف السنين.
يقول عيسى: “يُطلق على البلدة القديمة للهبارية اليوم اسم الخربة. ربما للأضرار التي لحقت بها وأبقت على حجارة فقط، في حين أنّ البلدة القديمة مدفونة تحت التراب بسبب كارثة زلازل أو براكين أو حروب على الأرجح. وهناك بقايا منازل ما زالت شاهدة على ذلك”. يُضيف: “أبناء البلدة القديمة تعود أصولهم إلى العهد الكنعاني، أي قبل الرومان، وهم كانوا يأتون إلى المعبد حفاة لعبادة الشمس، والدليل على ذلك أنّ رمز الشمس محفور على جانبي مدخل المعبد”.
وجرى تحديد آثار المعبد في صيف 1852 من خلال العالم إدوارد روبنسون الذي لاحظ وجود كتل حجرية كبيرة واحدة بقياس 0.84 متر عرضاً وارتفاع 4.6 أمتار، وحدد قياس أبعاد المعبد بأنه بطول 18 متراً، ويتضمن جدراناً بارتفاع 9.8 أمتار.
في هذا السياق، يقول مختار البلدة السابق وجيه أبو همين (80 سنة) الذي يملك معرفة كبيرة بكل المعلومات عن آثارات البلدة وجوارها: “المعبد مؤلف من طبقتين، سفلية يُعتقد بأنها كانت تستخدم لتخزين الخمر أو دفن الموتى، ولا يمكن دخولها إلا من باب خارجي، وأخرى عليا هي أساس المعبد، وتضم قاعتين، واحدة تسمّى قدس الأقداس يجتمع فيها المصلّون، وثانية مخصصة للكهنة، وتحتوي على درج يصل الى أعلى المعبد ومكان يسمّى المحراب، حيث يقف الكاهن الأكبر لأداء الصلاة أمام الجموع، ما يشير الى عبادة سكان البلدة الشمس قديماً حين تشرق من فوق جبل الشيخ خلف هذا المحراب”.
وفيما يُشير عيسى الى أن “الرومان أكملوا تشييد المعبد الى جانب معابد وقلاع وحصون ما زالت بقاياها موجودة عند سفوح جبل حرمون وجبل الشيخ”، يؤكد أبو همين أنّه ما زال هناك بقايا لأبراج منذ أيام الصليبيين في محلة “القصر” بخراج الهبارية، قبالة بلدة عين جرفا. كما نسمع منذ صغرنا أن هناك ممرّاً أسفل المعبد يصل الى نهر شبعا الذي يمرّ شمال غربي البلدة”. ويلفت عيسى أيضاً إلى “أن بعض جدران المعبد وأحجار تلك الأبراج يمكن أن تكون قد تهاوت بفعل مرور الزمن أو الزلازل أو غيرها”.
ويؤكد كل من عيسى وأبو همين أنّ المعبد وغيره من آثار الهبارية وسفوح حرمون مرّت بعدة حقبات، “فهناك مكان يُطلق عليه حتى اليوم اسم مقبرة الشهداء، ويعود إلى أيام صلاح الدين الأيوبي عندما دخل إلى فلسطين لتحرير القدس من الإفرنج، ومرّت جيوشه في تلك المنطقة، علماً أنّ العديد من الجنود دفنوا في الجهة الجنوبية من البلدة، وكانت من عاداتهم آنذاك البقاء الى جانب قبور الموتى 40 يوماً”.
وهما يرويان أيضاً أنّ “بعثة ألمانية وصلت الى البلدة في العام 1908 وقامت بالتنقيب في المعبد ومحيطه مستعينة بعمال من البلدة. وبعد أيام أتى العمّال ولم يجدوا أحدا من البعثة”، ما يُشير ربما إلى سرقة آثار.
إلى ذلك، يؤكد عيسى أن “العدو الإسرائيلي نفذ أثناء اجتياحه جنوب لبنان عمليات تنقيب في المعبد، ورقّم حجارته حتى قيل يومها إنه كانت هناك محاولة لنقل حجارته الى مكان آخر”.
وبجهد من البلدية وكثيرين من أبناء المنطقة، صنفت وزارة السياحة، بعد التحرير، بلدة الهبارية بأنها سياحية. وجرى إصدار طابع مالي دوّن عليه “برج الهبارية” مع صورة للمعبد، كما نفذت جمعية “ميرسي كورب” بالتعاون مع البلدية أعمال ترميم في المعبد عام 2004.
ويقول عيسى إن “أعمال الترميم تلك لم تكن مدروسة، إذ كان يجب التنقيب تحت التراب لأن هناك بقايا أعمدة وحجارة من المعبد مدفونة في الأسفل. وبضغط من المجتمع المدني في البلدة، اشترت البلدية أراضي في محيط المعبد، لمنع بناء منازل ملاصقة له. وأصبحت هذه الأراضي ملكاً للبلدية ولاحقاً وضعت في عهدة مديرية الآثار”.
ويتساءل عيسى لماذا هذا المعبد والقلاع وغيرها من المعابد الأثرية منسية ومهملة من الجهات المعنية، رغم أنها تساهم في تشجيع السياحة الداخلية؟ ولماذا لا تبرم عقود واتفاقات مع شركات سياحية لبنانية أوغيرها لجذب السياح إلى هذه المنطقة، من معبد بعل جاد إلى السرايا الشهابية إلى سوق الخان الأثري وغيرها الكثير الكثير.
المصدر : العربي الجديد