الحفاوة الفرنسية بقائد الجيش: “رسالة سياسية” ثلاثية الأبعاد

صدى وادي التيم – لبنانيات/

العلامة الفارقة والنافرة في زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون الأخيرة الى فرنسا تمثلت في استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون له في قصر الاليزيه. فهذا الاستقبال الذي “كسر” البروتوكول شكل مظهرا من مظاهر تكريم استثنائي لقائد الجيش والاحتفاء به، وينطوي على رسالة سياسية بليغة. هذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها قائد للجيش اللبناني رسميا باريس التي تربطها بالمؤسسة العسكرية علاقة وثيقة وتضخ لها مساعدات مختلفة، ولكنها المرة الأولى التي يجري فيها استقبال رسمي لقائد الجيش في قصر الإليزيه. ولم تكن هذه”الحفاوة الفرنسية” لتحصل لو لم يكن المقصود بها توجيه رسالة سياسية ثلاثية الأبعاد وفي ثلاث نقاط:

1 ـ الأهمية التي تعطيها باريس للجيش اللبناني بصفته ضمانة للأمن والاستقرار في لبنان، وصاحب دور وطني في الحفاظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية، والمؤسسة الوحيدة القادرة على الاستمرار في الفوز بثقة الشعب اللبناني.

وهذا الدور للجيش اللبناني يزداد أهمية في ظل الأزمة الشاملة والانهيارات الحاصلة على كل المستويات، والتي أدخلت مجمل الوضع اللبناني الى منطقة الخطر والانفجار. وفي ظل الحاجة الى الحفاظ على “الأمن”، وهو العنصر الإيجابي الوحيد المتبقي، للوصول الى محطة الانتخابات النيابية التي يعول عليها لتكون بداية جديدة وانطلاقا من تجديد الطبقة السياسية.

وتؤكد فرنسا من خلال الحفاوة التي أحاطت بها زيارة العماد عون التزامها بدعم الجيش اللبناني والحؤول دون وصول مسلسل الانهيار والتفكك إليه من جراء الضغوط المالية والنفسية والمعنوية التي يواجهها. وهذا الدعم غير مشروط وليس مثل الدعم الموعود للحكومة الجديدة والمشروط بإصلاحات ووزراء اختصاص ومسؤولين جديرين بالثقة.

2 ـ الخيبة العميقة التي لدى باريس تجاه الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان بعد تجربة مريرة في الأشهر التسعة الماضية، دفعت المسؤولين الفرنسيين الى فقدان الثقة والأمل بهذه الطبقة، والى التحول في الخيارات وعملية البحث عن بدائل باتجاه الجيش اللبناني أولا والمجتمع المدني ثانيا، والعمل على دعم الجيش وقائده وتجديد النخب السياسية في لبنان. وبالتالي، فإن الحفاوة بقائد الجيش تعطي “إشارة ازدراء” فرنسية باتجاه الطبقة السياسية التي لم تلتزم بتعهداتها وخذلت فرنسا وأجهضت مبادرتها باعتماد أساليب المراوغة والتحايل.

3 ـ إظهار التقدير لـ”شخص العماد جوزف عون وأدائه”، وتعاطيه المسؤول مع الاستحقاقات والأزمات حتى الآن، ومن خلفية استيعابها وتصريفها، بدءا من ثورة 17 تشرين الأول، وصولا الى تداعيات حرب غزة على الحدود اللبنانية مع إسرائيل.

صحيح أن باريس دعت العماد عون للبحث معه في متطلبات الجيش ولتقديم معدات متطورة تساعده على حماية الحدود والأمن في الداخل، وتقديم مساعدات أخرى لوجستية وطنية وغذائية تساعده على الصمود، ولكن لا يمكن اغفال الجانب الشخصي من هذه الزيارة التي أراد المسؤولون الفرنسيون من ورائها التعرف أكثر وعن كثب الى العماد عون والاطلاع على أفكاره وتصوره للمرحلة المقبلة، والدور الذي يمكن للجيش اللبناني أن يلعبه في إطار خطة فرنسية تهدف الى تحويل الجيش مرتكزا عمليا وأداة تنفيذية في مسار جديد تحاول فرنسا استخدامه لأول مرة بهذا الوضوح، بعدما وصلت علاقتها مع القوى والطبقة السياسية الى طريق مسدود. ولذلك لم يكن من المستغرب أن ينظر كثيرون الى زيارة قائد الجيش ويتعاطون معها من “خلفية رئاسية”، بمعنى أن هذه الزيارة تكرس العماد جوزف عون واحدا من أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية، وأن الرئيس ماكرون أراد بالاجتماع معه توجيه رسالة الى المسؤولين والسياسيين بأن الجيش وقائده يمكن أن يكون البديل الذي تراهن عليه باريس. ولكن من غير الواضح ولا يمكن التأكيد أن باريس في صدد تعبيد طريق قائد الجيش الى قصر بعبدا، خصوصا وأن هذه المسألة خاضعة لحسابات وظروف وتأثيرات وتوازنات.

الانباء الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!