تقرير خاص عن الشيخ حسين ماضي بمناسبة مرور297 سنة على ولادته

صدى وادي التيم – متفرقات/
الشيخ حسين ماضي 1719 – 1809
هو من كبار الشخصيات الدينية الدرزية التي ظهرت بعد الدعوة، وهو من الأولياء الصالحين الذين تركوا بصمات ناصعة في تاريخ الطائفة. ولد في بلدة العبادية في الثاني عشر من شهر كانون الأول عام 1719 في بيت دين وتقوى وورع، وعندما بلغ الخامسة عشر من عمره اعتزل الناس، واتخذ له مكانا في أعالي القرية للتعبد وتحصيل العلم، ثم بنى له بيتا للعبادة، وفي عام 1742 بنى مجلسا مؤلفا من غرفتين، ما زال قائما حتى اليوم. وقد لاحظ المقرّبون عكوفه على الصلاة والتدين والتقوى، فتردد عليه الإخوان، وكانوا يمكثون عنده زمنا طويلا للتعليم والتبرك، فاستحسن أن يبني لكل تلميذ غرفة بجانب مجلسه. وهكذا كان وما زال قسم منها قائمة حتى اليوم، ومع الوقت أصبح الشيخ حسين علما من أعلام التقى والورع والزهد والتقشف والعلم، فاجتمع مشايخ الأركان مع زعماء الطائفة، وقرروا تعيين الشيخ حسين شيخ عقل في البلاد. ورفض الشيخ حسين بإصرار، لكن أحد المشايخ قال له نطلب من حضرتك أن تقبل بهذه الوظيفة مؤقتا، حتى نختار شيخا يصلح لهذا المقام. فقبل، وعندما استلم مركز مشيخة العقل، ارتاحت البلاد لرجاحة عقله، وسياسته الحكيمة، وحسن معاملته، فأصر الجميع على استمراره. وقد خدم الشيح مصلحة الإخوان وشؤون البلاد، وكان له تلاميذ يتعلمون أصول الديانة ويعيشون على منهجه، وقد اشتغل بصنع النسيج من الثياب له وللإخوان، وكان لا يأكل اللحم إلا نادرا، ولا يأكل الفاكهة إلا في أولها، وكان يصوم طوال يومه إلا في المساء، يأكل من زرع يده. وكان يقيم في خلوته خمسة وستون مريدا يتعبدون، عُرف منهم الشيخ حسن ماضي، الشيخ يوسف ماضي، الشيخ محمد ابن حمدان، الشيخ أبو ناصر الدين حسين، الشيخ أحمد أبو حمرا، الشيخ حسين العنداري، الشيخ شاهين فرج، الشيخ خطار أبو سعيد، الشيخ إسماعيل زينية، الشيخ سليمان بركة والشيخ علي أبو عز الدين وغيرهم. وقد أوصى لكل تلميذ شجرة جوز عند نبع الجوزات لا تزال إلى يومنا هذا. وقد زرع الشيخ حسين شجرة توت بجانب المقام ما زالت قائمة حتى هذا اليوم.
وكان للشيخ حسين اتصال في حياته بالشيخ علي الفارس، والشيخ حسن طريف وأولاده، والشيخ أبو حسين علي شقير ولفترة قصيرة مع الشيخ ابراهيم الهجري(عن هؤلاء الخمسة الكبار وعلاقاتهم مقال في العدد القادم في العمامة).
وبالإضافة إلى المنزلة الدينية الكبيرة التي تمتع بها الشيخ حسين، كانت له مواقف بطولية رائعة مع كبار زعماء عصره، ومنهم اثنان ترتجف كل منطقة الشرق الأوسط عند ذكر أعمالهم الشنيعة وقسوتهم وفظاعة جرائمهم، وهما السفاح أحمد الجزار، والحاكم الطاغية بشير الشهابي، فقصته مع الجزار مشهورة ومعروفة، فقد حكم البلاد من قِبل الدروز، حاكم باسم يوسف الشهابي، وكان تحت وطأة الجزار وحكمه، وقد فرض يوسف الشهابي هذا، ما سُمي في التاريخ، بضريبة الشاشية، عام 1783، حيث فُرض على كل ذكر بالغ معدل قرشين، إذا لف عمامته بقطعة القماش البيضاء، وكان المشايخ الدروز هم الوحيدون الذين يستعملون الشاشية حول الطربوش، وغيرهم يستعمل الطربوش فقط. وقد قرر المشايخ التوجّه إلى الجزار أولا لإبطال هذه الضريبة، وثانيا لعزل يوسف الشهابي عن الحكم، فتبرّع الشيخ حسين بأن يذهب بنفسه إلى الجزار، وهناك دخل مجلسه ولم يخف ولم يبد أي وجل، وإنما خاطبه بعنفوان، فسأله الجزار سؤاله التقليدي: هل أنا عادل أم ظالم؟ فأجابه الشيخ بكل جرأة وإقدام: لا أنت عادل ولا أنت ظالم، إنما من قِبل الأعمال تأتي المصائب.
فأكثر هذا الشعب قد أهمل واجباته الدينية، فسلط الله عليه حاكما مثلك، وما أنت بين يديه تعالى، يوم الحساب، إلا كعبد ضعيف. ) عندها أدرك الجزار ما للشيخ من قوة وجرأة، فوقف بخشوع واحترام وقال : أهلا وسهلا بالشيخ الجليل الطاهر، وإني سأنفذ كل ما تطلبونه مني. وحاول أن يقدم كيس نقود إليه فرفض الشيخ، وقدم له جبة من الصوف فأرجعها، وعندما قدم له مصحف القرآن الكريم أجابه: بكل اعتزاز أقبله، فهو كتاب الله العزيز. وبعد هذه المقابلة ألغيت ضريبة الشاشية، وعُزل يوسف الشهابي، وعُين مكانه بشير الشهابي . وكان بشير الشهابي هذا مع كل جبروته وسلطته، يخاف من الشيخ حسين ويحترمه، وقد زار الشيخ الأمير بشير في قصره، فوقف له الأمير بشير وقبّل يده، وما كانت هذه عادته تكبرا، فعيّرته امرأته شمس، كيف يتعامل مع هذا الرجل الفقير، فوعدها أنه في المرة القامة لن يفعل ذلك، وفي المرة التالية وصل الشيخ إلى ديوان بشير الشهابي، ودق بعصاه على الأرض من الخارج، فقام الأمير وخرج دون أن يرتدي حذاءه، ولاقاه على الباب وقبل يده، وأخذ يكرمه ويدعوه، حتى أجلسه بجانبه، ولما خرج عيّرته امرأته شمس قال لها: ألم ترين السبعيَْن على شمال ويمين الشيخ، كنت أود أن أكتم عنك هذا الأمر، لكنني أجبِرت على القول أن سبب نعمتي ووصولي إلى الحكم، يعود الفضل فيه لهذا الشيخ الفضيل. وهذا الشيخ الجليل، إذا قال لرجال طائفته يدعوهم إلى القتال، يأتي كل منهم زاده على كتفه الأيمن، وبندقيته على كتفه الأيسر، دون أن يعارضوا رأيه.” وعندما توفي الشيخ حسين، قام بشير الشهابي وبشير جنبلاط ،بحمل نعشه والسير به من الأمام تبركا.
وكان للشيخ حسين موقف بطولي مع أحد قواد الجزار، واسمه مصطفى آغا، وكان قائدا كبيرا أرسله الجزار عام 1776 إلى بلاد الشوف لجباية الضرائب الباهظة، فاجتمع الناس في بيت الشيخ حسين طالبين الحماية، ولما وصل مصطفى آغا إلى الشيخ على رأس جيش كبير، وطلب منه بتحد دفع الضريبة، أجابه الشيخ، أنه ظالم والناس في عوز شديد، فاشتد غضبه، وسحب السيف من غمده ورفعه ليضرب به رأس الشيخ، فما لبث أن جمد السيف فوق رأسه، ويبست يده، فذعر ذعرا شديدا، وأخذ يرتجف ويستعطف الشيخ بأن يعيده كما كان قائلا : لا شك أنك ولي هذا الزمان، ولن أفعل معك شيئا بعد الآن. قال له الشيخ : عدني أنك تخرج من هذه المنطقة، وإلا تبقى كما أنت. فوعده ودعا له وعاد كما كان. وخرج من البلاد دون أن يجبي الضريبة.
وكانت للشيخ كرامات وحوادث دينية مبهرة، ومنها أنه كان يحب السياحة البرية في الجبل القريب من خلوته، وأحيانا يسوح في الليل، وكان يجلس تحت شجرة سنديان يرتاح، ويسند كتفيه على جذعها. وبعد وفاته، أصبح للشجرة رائحة العطر الطيب، فعندما يقترب منها إنسان تفوح الرائحة، فنذرها الناس تكريما للشيخ، وأخذوا يتبركون بها، ويضعون قطع القماش عليها، وهي موجودة حتى يومنا هذا. وعندما توفي، اشتركت زعامة البلاد الدينية والسياسية في جنازته، وكانت تظاهرة شعبية كبيرة، حيث خسرت المنطقة زعيما دينيا، وقائدا وشخصية مرموقة. وقام الشيخ بشير جنبلاط، ببناء مقام يضم ضريحه. وقد ظهرت في بناء المقام كرامة، حيث أحضِر الكلس للبناء، وكان ذلك يتطلب كميات كبيرة من الماء، وعجزت النساء من إحضار الكمية المطلوبة على رؤوسهن، فتكدر الموجودون، وكاد الكلس يحترق، وإذا بالمياه تنفجر قرب المقام، فاندهش الحاضرون، وأخذت الرحمات والحسرات تصب فوق جثمان سيدنا الشيخ، لما له من كرامات، وحضرت كافة النساء، وتوجهن نحو المقام ليشاهدن هذه الكرامة. وكان معلم العمار سعوديا فقال : لا أريد أجرتي، لكنني سآخذ بعض القناني من الماء، فأخذ منها وأصبح كل من يمرض أحدهم عندهم، يضع له من ذلك الماء فيشفى. ومع استكمال البناء انقطعت المياه وغارت في الأرض.
منبر اللقاء_المعروفي
وفي الحروب التي جرت مؤخرا، احتمى السكان في المقام الشريف، وسقطت على بلدة العبادية آلاف القنابل والقذائف، ولم يصب، بعونه تعالى أحد .
اللقاء_المعروفي / مشيخة_عقل_طائفة_الموحدين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى