المحروقات لمن يحمل الدولار فقط: وجه جديد للأزمة
تميَّزَت أزمة المحروقات في لبنان بطوابير السيارات الطويلة أمام محطات الوقود، فيما شكَّلَ التهريب في اتجاه سوريا الوجه الأبرز، بفعل استفادة تجّار الأزمات من دعم شراء المحروقات بدولارات المودعين، لبيعها في سوريا بالدولار. لكن رفع الدعم، الذي بات محسوماً بانتظار اتخاذ القرار الصريح، سيغيِّر المعادلة، من دون أن يحلّ الأزمة، التي تتّخذ شكلاً جديداً لا يتناسب مع مصلحة عموم المواطنين. وحينها، ستقف الدولة متفرّجة لا حول لها ولا قوة سوى التمنّي على التجّار مراعاة الأوضاع. لكن لا رأيَ لِمَن لا يُطاع، وصاحب الرأي في هذه الأزمة هو حامل الدولار، ووحده الذي الذي يُطاع.
لم يُصدر مصرف لبنان حتى اللحظة قراراً برفع الدعم. والحكومة تؤكد استمرار القرار السياسي الذي يغطّي إجراءات المصرف المركزي.
وبقاء الوضع على حاله نظرياً، يقابله التحضير لرفع فعلي للدعم في الواقع، فيمتنع المركزي عن توقيع طلبات التجّار، ما يعني أن
الدعم رُفِعَ فعلياً، وإعلانه رسمياً يحتاج إلى القليل من الوقت، وربما لن يطول ذلك لأبعد من نهاية شهر أيار الجاري كما هو مُتَوَقَّع.
وإلى حينه، يؤكد ممثل موزعي المحروقات في لبنان، فادي أبو شقرا، أن المحروقات متوفرة، لكن ليس بالكمية الكافية التي تسد حاجة
السوق. وقد زادت الأنباء عن رفع الدعم حدّة الطلب، ما أعاد طوابير السيارات إلى المحطات بعد تراجعها منذ نحو أسبوعين، بفعل
تأمين باخرة محمّلة بالوقود. ويشير أبو شقرا إلى أن الاتصالات مستمرة مع الشركات المستوردة لتأمين المحروقات بأسرع وقت. ولا تجد
الاتصالات والتمنيات مَن يُتَرجمها إلى لغة تُقنع المستهلكين. فالترجمة الوحيدة المفهومة هي تأمين الدولار لشراء الوقود. وهذا غير
متاح بالقدر الكافي. وعليه، تواصل محطات الوقود استلام المواد من الموزّعين وفق السعر المدعوم، لكنها لا تتيح للمستهلكين التزوّد
بالوقود، فتعمد إلى إقفال أبوابها بحجة عدم تأمين المواد. وهذه حال المحطات في المناطق اللبنانية. أما مَن قرر فتح أبوابه، فلا
يتعدّى دوام العمل لديه الساعتين، تُحَدَّد خلالها الكميات المخصصة لكل سيارة.
كميات الوقود المتوفرة بالدولار المدعوم لن تكفي لأكثر من شهر، وتوقيع أذونات استيراد شحنات إضافية، ليس مضموناً. وفي حال
امتناع مصرف لبنان عن تأمين الدولار للاستيراد، قد يرتفع سعر صفيحة البنزين إلى نحو 160 ألف ليرة على الأقل.
وارتفاع الأسعار بحسب سعر صرف الدولار، سيقابله انحسار لطوابير السيارات. فشريحة كبيرة من اللبنانيين لا قدرة لديها على مَلء
خزانات سياراتها بالوقود باستمرار، بفعل تدني القدرة الشرائية لما تبقّى لديها من رواتب وأجور. وعلى الضفة الأخرى، قد يتراجع معدّل
تهريب المحروقات، لأن استيرادها بالدولار غير المدعوم، إلى جانب كلفة الشحن نحو سوريا، لن يكون مغرياً لأن المردود حسابياً
يتساوى مع ما يحققه المهرّبون في لبنان. غير أن التهريب لن يتوقّف كلياً، إذا أُخِذَ بالاعتبار أنّه يحقق بيع كميات أكبر ويؤّمن دولارات
طازجة تقي المهرّبين احتمال الخسارة، فيما لو باعوا المحروقات في لبنان وقبضوا ثمنها بالليرة، وإن وفق سعر السوق السوداء. فهذا
السعر متغيّر، وما يُباع اليوم قد يفقد جزءاً من قيمته غداً مع ارتفاع سعر الدولار.
وحينها يبقى الاتجاه لتأمين الدولار الطازج، أوفر حظاً.
هو مسار جديد لأزمة المحروقات في زمن رفع الدعم. يبدأ من فقدان الوقود أو ترشيد بيعه،
ويصل إلى تأمينه بشكل متواصل، لكن لمن يحمل الدولار أو ما يعادله بالليرة،
إلاّ إذا قرَّرَ المستوردون بيع شحناتهم بالدولار حصراً،
فيصبح المستهلك ملزماً بتأمين الدولار، ما يرفع الطلب عليه ويزيد من أسعاره. ومَن لا يعجبه الأمر، لن يشتري الوقود.
وزارة الطاقة في هذه الدوامة، لا قدرة لديها على ضبط الوضع مهما سجَّلَت في جدولها الأسبوعي أرقاماً وأسعاراً.
فالكلمة الفصل لرؤوس الأموال التي تستورد المحروقات. وبدورها، قد تلجأ أحزاب السلطة لتأمين المحروقات لجمهورها،
لكن ليس لوقت طويل. إذ يُحرَق الوقود بأسرع من كيس البطاطا، والتفريط بالدولارات أمرٌ غير مستحب في ظل أزمة تتفاقم.