«اختفاء البنات» في لبنان.. موجة خطْف أم ابتزاز؟
صدى وادي التيم – أمن وقضاء/
لم تكن الإعلامية ريتا واكيم الحاج، والدة الصبية نادين الحاج، تتخيّل أن تعيش يوماً هذا القلق الذي يتخطى الوصف وأن تشعر بأن قلبها قد انتُزع من مكانه ليحتلّ الخوف تلك الفجوة الفارغة بين ضلوعها.
فـ نادين، الصبية التي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها، لم تَعُدْ إلى البيت في موعدها ولا أحد كان يعرف أين هي. هل هي عملية خطف مدبّرة؟ هل انضمت نادين الى لائحة الصبايا المفقودات اللواتي يتكاثر عددهنّ هذه الأيام؟ هل وصل الخطف الى درجة مقلقة في لبنان؟ أسئلةٌ رافقتْ هذه القضية التي شغلتْ الرأي العام في «بلاد الأرز» على مدى أربعة أيام استُحضرت فيها قضايا قاصرات غالباً ما يتم الإبلاغ عن فقدانهنّ في زمن الضغوط المعيشية وازدهار «الابتزاز النفسي».
«التمييز» تحيل طعون بدر الداهوم بشأن تفسير قرار عودته وإسقاط عضويته كنائب إلى النيابة العامة لإبداء الرأي
منذ 30 دقائق
النيابة العامة تحيل المتهم بجريمة قتل فتاة «صباح السالم» إلى السجن المركزي وتحيل ملفه إلى «الكلية»
منذ 56 دقائق
ما كان يفترض أن يكون مشواراً عادياً (قبل نحو أسبوعين) للصبية نادين الى منزل أقارب لها يوم أحد تحوّل الى كابوس عاشتْه العائلة كاسوأ ما مرّ عليها هذه السنة… بدأت الاتصالات بالأهل والأصدقاء و المعارف علّ أحداً يعرف عنها شيئاً، إلى أن تمّ تعميم صورتها من الأمن الداخلي بعد 3 أيام والطلب إلى مَن يعرف عنها شيئاً تبليغ القوى الأمنية. الإعلاميتان رابعة الزيات و يمنى شري سارعتا عبر صفحاتهما على مواقع التواصل الى نشر القضية والطلب الى الرأي العام التفاعل معها والمساعدة في إيجاد الصبية المخطوفة وطمأنة قلب العائلة الذي كان يغلي خوفاً وقلقاً على وحيدتها.
مساء الأربعاء نفسه، أعلن الإعلامي جو معلوف وسفير اتحاد حماية الأحداث في لبنان أن شعبة المعلومات استطاعت إنقاذ الفتاة القاصر ممن قام بخطفها وسُلِّمت الى أهلها. وكان معلوف يتابع القضية عن كثب مع الجهات الأمنية كونه معني بحماية القاصرين والقاصرات، وقد أعلن أن والد مَن قام بخطفها يحاول التفاوض مع أهلها وتحديد شروط مُخالِفة لحقوق القاصرين وذلك بغية إرجاعها لأهلها.
نادين عادت الى أهلها بعدما تم إنقاذها من براثن رجل حاول استغلال حزنها وضعفها نتيجة لفقدانها جدتها لوالدتها وخالها وابن خالتها في شهر واحد بعدما خطفهم فيروس كورونا المميت، رجلٌ يكبرها بعقدين لعب على براءتها وضعفها واستغلّها نفسياً ليبتزّ أهلها مادياً.
وبحسب ما روى أخ الصبية فإن الخاطف، وهو مزين شعر نسائي تخطى الأربعين من العمر، سبق أن قام باستدراج قاصرات لمرتين محاولاً التقرب منهن من خلال التلاعب بعواطفهن أو ما يُعرف بالـ Mental abuse. وعلى ما يبدو، فهو يحاول استغلال القاصرات والإيحاء بأنهن قَدمن إليه من تلقاء أنفسهن في حين أنه كراشد يقوم باستغلال براءتهن وقلة خبرتهن والظروف الأليمة التي يمرين بها. وقد تحوّل الى ما يعرف بـ «الخاطف المتسلسل» بعد أكثر من عملية استدراج لقاصرات. وكان بحسب أقوال محامي الضحية نادين قد أخذ منها مالاً ومجوهرات وحاول رهنها.
وأكدت والدة الصبية أن ابنتها عادت الى البيت سليمة ولم تتعرّض لأي نوع من الأذى أو الاستغلال الجسدي لكن كما يقول شقيق الضحية فالأذى النفسي الذي لحق بها كبير ولا سيما أن الصبية تمر بظروف نفسية صعبة جداً نتيجة ما مرّ على عائلتها من موت وفقدان لأعز الأحبّة.
قصة مؤلمة فاقت بوطأتها كل ما شهدته هذه العائلة من مآس مع رحيل ثلاثة من أفرادها لكن كُتبت لها نهاية آمنة كان يمكن أن تكون أسوأ لولا ردّ الفعل السريع للعائلة وتَجاوُب الإعلام والجهات الأمنية معها للعمل على سحب الفتاة من براثن مَن استغل وضعها دون مراعاة كونها لا تزال قاصراً في القانون.
قصة خطْف نادين أثارت موجة واسعة من التعاطف بين اللبنانيين الذين كانوا قد فجعوا سابقاً بخبر اختفاء ثلاث شقيقات من بلدة عكارية لبنانية هن كارول (24 عاماً) وعايدة (17 عاماً) وميرنا (14 عاماً) الحاج حسين. طوال عشرة أيام لم يُعرف مصير الأخوات حيث خرجن كما قلن لشراء بعض الحاجيات كعادتهن واختفين وغاب كل خبر عنهن بعدما أرسلن رسالة لوالدهن يقلن فيها انهنّ يردن الانتحار وأقفلن هواتفهن بعدها. وقد قام الوالد بإبلاغ الاجهزة الأمنية مضمون الرسالة التي وصلتْه، فبدأت هذه الأخيرة بعملية بحث واسعة الى أن تمّ إيجاد جثث الشقيقات الثلاث في منطقة طرطوس السورية الساحلية وقد غرقن في البحر وفق ما أشارت إليه نتائج التشريح.
هذا الخبر هزّ المجتع اللبناني، ولا سيما الشمالي منه. وتكاثرت التحليلات والأخبار والإشاعات. والمصيبة التي حلّت بالعائلة تحولت مأساة مزدوجة: الاولى بالعثور على جثث الفتيات بعدما قذفتها أمواج البحر الى شاطئ طرطوس، والثانية هي في الإشاعات التي انتشرت في بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول تعنيفهنّ على يد الوالد وسماع الجيران صراخهنّ، في حين أن أقرب منزل إلى دارة الأهل هو بيت خالة الفتيات الذي يبعد مسافة كيلومتر ما يدحض هذه الإشاعات.
السبب الحقيقي الذي يقف وراء قضية اختفاء الفتيات الثلاث ومصرعهن لا يزال غامضاً ولم تُكشف الأسباب التي دفعت بهن إلى مغادرة المنزل أو ربما رمي أنفسهن بالبحر. هل هو فعل إرادي أم عملية خطف؟ الأمر لا يزال مبهماً ويطرح ألف تساؤل حول نهاية مأسوية لفتيات في عمر الورود.
هذه الفاجعة المؤلمة تلتْها قصة أخرى هزت الرأي العام اللبناني إذ قام أحد المواطنين في أوائل الشهر بالإدعاء لدى الجهات الأمنية أن ابنته وهي مواليد العام 1993 غادرت منزله في طرابلس إلى جهةٍ مجهولة، وأن أحدهم اتصل به طالباً منه فدية مالية بقيمة 10 آلاف دولار أميركي، بعدما أرسل له عبر تطبيق «واتساب» تسجيلات صوتية وصور وفيديوات لابنته، وهي تجهش بالبكاء، طالبةً المساعدة لإطلاق سراحها من المكان التي خُطِفت إليه في البقاع الغربي.
على الفور أعطيت الأوامر للقوى الأمنية للتدخل لكشف ملابسات الحادثة. وبعد الاستقصاءات والتحريّات، تبيّن أنّ الفتاة كانت قد التقت بصديقها في اليوم الذي توارتْ عن الأنظار، فتم استدعاء الشاب للتحقيق معه، بحيث اعترف بأن صديقته أخبرتْه بأمر هروبها من منزل والدها، كونها على خلاف معه، وأنها تنوي الادّعاء بأنها تعرّضت للخطف للاستحصال على المال. وبهذا تكون الصبية قد زوّرت قصة خطْفها وأثارت قلق والدها وأحْدَثَتْ بلبلة وخوفاً عند الرأي العام ليتبيّن أنها لم تتعرّض لأي عملية خطف بل أنها هربت من منزل والدها بسبب سوء معاملته لها وهي مَن قامت بتصوير نفسها على أنّها مخطوفة وأرسلت الصور والفيديوات لوالدها طالبةً فدية مالية.
هذا التصرف المتطرف دفع الناس الى التساؤل: ألهذا الحد وصل اليأس بالشباب اللبناني ودفع صبية الى ابتزاز والدها؟ والى أين يسير هذا المجتمع الذي تزداد فيه الضغوط الاقتصادية والنفسية؟
لائحة طويلة من القاصرات المفقودات
بين الخطف المنجَز المكتمل العناصر والخطف المزوَّر، تكبر القصص وتتخذ بُعداً وطنياً ولا سيما مع تَكاثُر عدد حالات اختفاء الفتيات من منازلهن. ففي صباح 19 أبريل عممت قوى الأمن صورة لصبية تدعى ريتا آرا. ن في الـ 19 من عمرها «غادرت منزل أهلها منذ يومين ولم تعد» وطلبت القوى الأمنية من الذين شاهدوها ولديهم أي معلومات عنها أو عن مكانها، الاتصال بفصيلة الجديدة في وحدة الدرك الاقليمي للإدلاء بما لديهم من معلومات.
وفي شهر فبراير وحده سجلت قوى الأمن فقدان ثلاث شابات في تواريخ مختلفة ومن مناطق مختلفة. صفاء م.ش من مواليد 1994 غادرت منزل ذويها الكائن في عكّار، ومريم ع.ح وهي في الـ 19 من عمرها غادرت بيت أهلها أيضاً في ظروف غامضة، وهي فلسطينية تعيش في محلة صبرا، فيما فاطمة ب.م وهي قاصر لم تتجاوز الـ 17 من عمرها غادرت منزل شقيقتها في محلة حي السّلّم – بيروت ولم يُعرف عنها شيئاً. وسبقت هؤلاء شابة سورية تدعى لمى ا.ا من مواليد 1995 غادرت منزل ذويها في محلة الشويفات وتم تبليغ القوى الأمنية عن اختفائها.
لائحة طويلة ضمتها الأشهر الأولى من العام 2021 تحوي أسماء لشابات لم يبلغن سن الرشد القانونية بعد ولم تتجاوز أكبرهن سن الـ 27 غادرن منازلهن لأسباب مجهولة. فتيات يحملن الجنسية اللبنانية أو السورية والفلسطينية يجمع بينهن عمرهن الفتي. لم يُعرف مصيرهن حتى الآن هل خُطفن لأسباب غامضة واضطر ذويهن لتبليغ القوى الأمنية أم غادرن بمحض إرادتهن للهروب من واقع مرير يعشنه في محيطهن؟ أو ربما كن مثل نادين ضحية لاستغلال نفسي من ذئاب وجدوا فيهن فريسة سهلة يمكن التلاعب بعواطفها واستغلالها جسدياً ومادياً؟ أم ربما وُجدن وعدن الى بيوتهن دون جلبة إعلامية؟
مخاوف مشروعة
الأسئلة كثيرة وقديمة – جديدة مدجَّجة بالخوف والقلق وطُرحتْ مع «مواسم اختفاء» سابقة… هل من موجة خطف تجتاح لبنان نتيجة تفلُّت الأوضاع الأمنية؟ هل هي عصابات تتاجر بالبشر أو بالأعضاء ؟ هل هي شبكات دعارة تصطاد القاصرات لتشغلهن في أعمال منافية للقانون؟ أم أن للأمر وجهاً آخر؟
ولكن في تصريح سابق له، نفى رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي العقيد جوزيف مسلّم وجود أسباب أمنية وراء حالات الاختفاء، رغم تَكاثُر أعداد المفقودين واكّد أنه «حتى الآن لا وجود لعصابات خطف وإتجار بالبشر والأعضاء في لبنان». وشدّد على «أن كل حالات الاختفاء سرعان ما يتم الكشف عن مصيرها خلال أيام». وقال: «غالبية حالات الاختفاء إرادية، وسببها مشاكل عائلية بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي ترزح تحته الأسر اللبنانية، وكثيراً ما يهرب القاصرون من منازل ذويهم بسبب مشاكل داخل العائلة، كما أن فتيات كثيرات ما يهربن»خطيفة«بهدف الزواج».
ويقول مصدر أمني إنه في العام 2020 تم تسجيل اختفاء 25 قاصراً سجلت عودة جميعهن الى منازلهن وأهلهن.
أسباب أم مبررات؟
الاختصاصية في علم الاجتماع غريس كرم تحاول شرح الأمر من أكثر من منظور وفق خبرتها في العمل مع الجمعيات التي تعنى بحماية النساء والأحداث، و تقول: «غالباً ما تكون النساء وهن العنصر الأضعف في المجتمع أكثر الضحايا تأثراً بما يحدث من حولهن. لذا ومع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والصحية والضغوط النفسية الهائلة التي يتعرّض لها الأهل لتأمين معيشة العائلة والهرب من كابوس كورونا تصبح الفتيات، ولا سيما اليافعات، مكسر العصا في العائلة وفشة خلق، مطلوب منهن تحمّل ظروف مادية قاسية تمنعهن من عيش الحاضر والاستمتاع به وتمنعهنّ حتى من الحلم بمستقبل أفضل وتأسيس عائلة. كما عليهن تحمل الحالة العصبية والنفسية للأهل، آباء وأشقاء، والخضوع لتداعياتها التي غالباً ما تأتي بشكل عنف لفظي أو جسدي. هذا الضغط الشديد يدفع بالقاصرات أو حتى الأكبر سناً لمحاولة الهروب منه وإقفال الباب خلفهن غير مدركات لِما قد يتربّص بهن من مخاطر خارج أسوار البيت».
من جهة أخرى تقول كرم: «يشهد المجتمع اللبناني كما سواه من المجتمعات ظاهرة مستجدة هي الابتزاز الجنسي الالكتروني الذي تتعرّض له المرأة والقاصرات، إذ يسعى أحدهم الى استدراجهنّ بالحيلة لإرسال صور لهن أو يقوم بنفسه بتصوير الفتاة ليعمد بعد ذلك الى ابتزازها وتهديدها بغية الحصول منها على مكتسبات مادية أو جنسية أو لتشويه صورتها وسمعتها والتشهير بها وإذلالها. وفي مجتمع مُحافِظ كمجتمعاتنا العربية يصبح أي تهديد يطاول سمعة الفتاة أو يتمحور حول فضْح علاقات لها سلاحاً فتاكاً يمكن أن يؤدي الى هدْر دمها. والصبية التي تتعرّض لهذا النوع من الابتزاز لسبب أو لآخَر تسعى لإيجاد مَخرج منه يحفظ لها سمعتها وكيانها، وقد يكون إما بالاستسلام لمطالب الشخص المبتز مع ما يعنيه ذلك من دخول في دوامة جارفة يصعب الخروج منها، أو الذهاب الى حل جذري يتمثل بالانتحار أو الهروب من بيتها لتفادي الفضيحة».
الرأي