العميد أنور يحيى يروي فصولاً من تجربته: هكذا يتم تهريب المخدرات من لبنان وعبْر

 

صدى وادي التيم – لبنانيات /

قَفَزَ ملف المخدّرات إلى واجهةِ الأحداث في بيروت من بوابةٍ أمنية ذات تداعيات اقتصادية – سياسية في ضوء قرارِ المملكة العربية السعودية حظْر دخول الفواكه والخضار الآتية من لبنان أو التي تمرّ عبره إلى أراضيها بعد إحباطها محاولة تهريب نحو 2.5 مليون قرص من مادة الأمفيتامين (المستعمَلة في تصنيع الكبتاغون) المخدّرة كانت مخفية داخل شحنة من فاكهة الرمان قادمة من «بلاد الأرز».

وجاء وَقْعُ الإجراء السعودي مدوّياً، بالمعنى السياسي كما بالنظر إلى تداعياته الاقتصادية، وتأكيده المؤكَّد لجهة «استخدام» لبنان في عالم المخدّرات، إنتاجاً لبعض الأنواع و«ممرّاً» لأخرى تُصدَّر عبر أراضيه بوسائل مبتكرة أو مألوفة.

من خلال تجربته كقائدٍ سابقٍ للشرطة القضائية، تحدّث العميد المتقاعد أنور يحيى لـ «الراي» عن تهريب المخدرات، أنواعها، والدول المُستهدَفة بها، كما طرَحَ أفكاراً لمكافحة هذه الآفة.

* كيف تتحدّث عن عمليات تهريب المخدرات عبر الفاكهة والخضار، مقارنةً مع عمليات التهريب الأخرى؟

– تهريب المخدرات يَعتمد على عامليْن: الأول حاجة السوق، وهل المطلوب هو الكبتاغون أم الكوكايين أو غيره، والعامل الثاني الوسائل المتاحة. بالنسبة إلى لبنان، تنبت فيه مادة الحشيشة ومادة الأفيون التي تُزرع في البقاع، كما كانت هناك معامل تنتج الهيرويين سابقاً. الكبتاغون كان يُنتج في بعض المَعامل في سورية، ولكن عندما بدأتْ الحرب فيها العام 2011 إنتقلت بعض المَعامل الى خارجها، كالعراق ولبنان.

واليوم، أكثر مادة مطلوبة للسوق العربية ولبعض المنظمات الإرهابية كـ د ا ع ش  و ا ل ن ص ر ة وغيرهما، هي الكبتاغون. أما الكوكايين والهيرويين فتراجع عليهما الطلب، وصار هناك تركيز على الحبوب المهلْوسة والمنشّطة.

بالنسبة للكوكاكيين والهيرويين كان لبنان يستوردها من الخارج، الكوكايين كان يتم استيراده من كولومبيا وأوروبا والمغرب وبعضه كان للسوق المحلية والقسم الأكبر كان يُصدَّر إلى الخارج.

* كم تبلغ نسبة التهريب عبر الفاكهة والخضار مقارنة مع السلع الأخرى؟

– يتم تهريب المخدرات عبر الفاكهة والخضار لأنها السلع الوحيدة التي هناك سهولة في تصديرها، ولبنان لا يزال يصدّرها إلى السعودية والدول العربية. في لبنان كانت هناك مصانع مشهورة للمواد الاستهلاكية والصناعية، لكن للأسف كلها تم إغلاقها بسبب «كورونا» والواقع الاقتصادي والأمني، وبقيت السلع الوحيدة المتاحة (للتصدير) هي الخضار والفاكهة. ولذا، يلجأ تجار المخدرات لتهريب الكبتاغون – وهو الأكثر طلباً – عبر الشاحنات الكبيرة المحمّلة بها.

* أيّ المرافئ هي الأكثر استخداماً لتهريب المخدرات؟

– التهريب من لبنان كان يتم عبر ثلاثة مَرافق، بحراً بواسطة البواخر من مرفأ بيروت وطرابلس وصيدا، جواً عبر مطار بيروت، وبراً عبر الحدود مع سورية التي تحوط بلبنان شمالاً وشرقاً، وجنوباً هناك الحدود مع العدو الإسرائيلي.

النسبة الأكبر من المخدرات تُهرَّب عبر الحدود مع سورية ومن الطبيعي أن يلجأوا الى الشاحنات المحمّلة بالفاكهة والخضار لتمرير الكبتاغون. سابقاً كان يأتي الهيرويين إلى لبنان من إيران وتركيا، وكقائد شرطة قضائية سابق أحبطتُ أكثر من عملية تهريب. الهيرويين كان يعبأ داخل عبوات شامبو يتم تصنيعها في البيوت، وعندما تصل إلى لبنان كان يجري تحليلها وتفكيكها في مصانع لفصل الهيرويين عن المواد الأخرى، وهذا الأمر لم يعد قائماً اليوم. وتظل الشاحنات هي الوسيلة الأفضل للتهريب، إذ من الصعب جداً مراقبتها بدقة على غرار عمليات المراقبة التي تتم مثلاً في المطار بواسطة «السكانر» أو الكلاب البوليسية أو غيرها من التقنيات التي تُستخدم للكشف عن الحقائب المحمَّلة بالمخدرات. لا يمكن كشف المخدرات المهرّبة بالشاحنات بدقة إلا إذا تم تمريرها عبر «السكانر» كما يحصل في الخارج، وهذه الوسيلة المتطوّرة يفتقدها لبنان، بسبب شحّ الموازنة والفساد الحكومي القائم.

* كم كنتم تعتمدون على الإخبارات في رصْد هذه العمليات وإحباطها؟

– أهمّ بند هو تَبادُل المعلومات بين الدول، وعنصر الإخبار عبر المُخْبِرين. للأسف الحكومة في لبنان لا ترصد ميزانية كما تفعل الحكومات الأخرى في بريطانيا أو أميركا والسعودية وغيرها، لدعْم عمل الأجهزة الأمنية (الشرطة القضائية، المعلومات والمخابرات) عبر إعطائها المال لدفْعه للمُخْبِرين فيزوّدونها بمعلومات عن العصابات المهرِّبة للمخدرات، وعن كيف يتم التهريب ومتى والجهة التي سيتم التهريب اليها. المُخْبِر عنصرٌ أساسي في ضبْط وكشْف عمليات تهريب المخدرات التي تتم بين الدول. واليوم، يُعتبر البر المرفق الأساسي للتهريب، لأنه لم تعد هناك سلع وبضائع تُصدّر الى الخارج، سوى المواد الزراعية كالفاكهة والخضار.

* باتجاه أي دول يتم التهريب؟

– تهريب المخدرات إلى الدول العربية، من العام 2011 وحتى اليوم يستهدف بالدرجة الأولى المنظمات الإرهابية والمقاتلين، وهم شباب من مختلف دول العالم يُغَرَّر بهم ويتم ايهامها بأنهم سيقاتلون لكذا وكذا، ويستخدمون المواد المنشطة والمهلوسة وأعني بها الكبتاغون.

وعندما كنتُ في قيادة الشرطة القضائية بين عاميْ 2005 و2010، وتحديداً العام 2008، ضبطْنا ملايين الحبوب المهرَّبة عبر شاحنة كبيرة موضوعة ضمن «شاسيه» تم تلحيمها، واستعنا بالكلاب البوليسية والمعدات والآلات ولكننا لم نتمكن من كشف شيء. ومع إصرار المُخْبِر على أنها موجودة في الشاحنة، أحضرنا شاليمون وأوكسجين وقطعنا «الشاسيه» وعثرنا على نحو 16 مليون حبة كبتاغون كانت متجهة إلى السعودية.

* هل لبنان مُنْطَلَق لتهريب المخدرات المصنَّعة فيه أم أن مرافقه تُستعمل كترانزيت للتهريب أيضاً؟

– لبنان، في أحيان كثيرة، يُستخدم كترانزيت لتهريب المخدرات الى الخارج، لأن المواد المخدِّرة التي تُنْتَجُ فيه محدودة جداً وهي حشيشة الكيف، وبعض أنواع المخدرات ذات النوعية غير الجيدة. ويتم التهريب الى الخارج عبر عصابات، تنسّق في لبنان مع وسيلة نقلها ومع شركاء لها في البلد المستهدَف. ولذا، فإن قانون المخدرات، يعتمد مبدأ التسليم المراقَب. مثلاً، كمية المخدرات التي تأتي من الخارج إلى لبنان، ومن ثم إلى دولة ما، بعد أن يتم كشْفها والإدعاء على المتورطين فيها لا ينتهي الأمر هنا، بل يغادر ضابط من الشرطة القضائية مع الكمية المصادَرة جواً إلى مكان التسليم المفترض، لكشف مَن سيستلم البضاعة في بلد الوصول والاستهلاك. زهذه الناحية مهمة جداً، ويوجد في لبنان قوانين حضارية بينها القانون 673 الذي صدر عام 1998 وهذا القانون مهم جداً لو يتم تطبيقه، لأنه يركز على التسليم المراقب، ولكن الحرب والأيام الصعبة التي يعيشها لبنان بسبب الفساد الإداري والخلاف على تشكيل الحكومة وتوزيع الحصص وسرقة ونهب الإدارات، حالت دون تطبيقه.

* كيف يتم التصدي لعصابات تهريب المخدرات؟

– أولاً مكافحة الفساد في مكتب مكافحة المخدرات. وقد سمعنا أخيراً أن عقيداً سابقاً في هذا المكتب أحيل الى المحاكمة بتهمة تهريب المخدرات، كما أن هناك رتباء وضباطاً تتم ملاحقتهم بنفس التهمة. على القضاء أن يكون متشدداً، وكذلك على الأمن الداخلي والجمارك وكل الأجهزة الأمنية المكلفة بمكافحة المخدرات أن تكون أكثر تشدداً في القمع، وأن تُصْدِر أحكاماً قاسية مادياً (غرامات) كما لجهة عقوبة السجن، وتخصيص ميزانية وتزويد الأجهزة الأمنية على الحدود بالمعدات التقنية لكشف تهريب المخدرات. وكذلك المطلوب تَبادُل المعلومات بين الدول من خلال الانتربول واليوروبول ومكتب مكافحة المخدرات العربي في جامعة الدول العربية، ومراقبة الموظف وتنفيذه لعمله بعيداً عن الفساد، وتصدي الدول المستهلكة للمخدرات والتشدّد في ضبط وقمع استخدام المخدرات.

ويبقى أن الأهمّ هو عنصر المُخْبٍر وخصوصاً أن بعض الدول تستخدم وتهرّب المخدرات لمصلحتها. ويجب أن يتقاضى هذا المُخْبِر بدل أتعاب، وأحياناً تتنافس العصابات مع بعضها البعض، فتمرر إحدى العصابات معلومات لضرْب عصابة مُنافِسة لها كي تحتكر التهريب لنفسها.

مَن يتعاطى المخدرات مريض، وعلى قوى الأمن الداخلي والتحري والدول التصدي لعصابات الإتجار بها سواء عبر الفاكهة أو الخضار أو غيرها من الوسائل. وتَعاوُن الدول بين بعضها وسرعة تبادل المعلومات الاستخبارية، هو الطريق لمكافحة تهريب المخدرات من لبنان إلى الخارج. كما نتمنى أن يتم ضبط الحدود أكثر، البرية والبحرية والجوية. المطار حركته محدودة جداً ومرفأ بيروت مدمّر، فأصبحت الحدود هي المرفق الأكثر رواجاً لتهريب المخدرات، لذا يجب التركيز على عبور الشاحنات والسيارات عبر التفتيش الدقيق، والاستعلام الصحيح وعبر العقوبات الصارمة في حق تجار المخدرات.

هيام بنوت – الرأي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى