مصادر صحفية: حيلة جديدة لسلب الناس الـ’فرش دولار’
صدى وادي التيم – إقتصاد/
“تحت عنوان “إحذروا هذه المؤامرة: OMT تجمع الدولارات للمصارف!”، كتب علي نور في موقع المدن:
بحسب قانون النقد والتسليف، يُفترض أن يكون “تلقي الودائع من الجمهور” امتياز لا يحوزه سوى من يمارس المهنة المصرفيّة، برخصة رسميّة تُمنح وفق شروط واضحة. وهذه المسألة حرص عليها القانون لحساسيّة مفهوم الوديعة، وارتباط النشاط المصرفي بمخاطر عديدة: من الحفاظ على أموال المودعين، إلى الشفافيّة في تسويق المنتجات، وصولاً إلى مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها من الاعتبارات. لكنّ تعثّر القطاع المصرفي، وعدم قدرته على استقطاب الودائع الجديدة، دفع شركات خاصّة كشركة OMT لتصدّر المشهد والتصرّف كمصرف، عبر إصدار بطاقات دفع خاصّة بالشركة، يمكن تعبئتها والسحب منها واستعمالها عبر الانترنت من دون أي عوائق.
المبادرة في الأصل مخالفة للقانون، لكن الأهم هو ما تنطوي عليه من أفخاخ تسويقيّة. إذ يبدو أن الشركة تعمل فعليّاً كواجهة لاستقطاب الدولار الطازج للمصارف.
مخالفة القانون.. وفخ كبير!
ملء طلب البطاقة في فروع الشركة، وصدور البطاقة بتوقيعها مع إسم العميل، ناهيك عن تقديم خدمات السحب والإيداع والاستفسار عن الرصيد من خلال فروع الشركة، ومبادرة الفروع لتسويق البطاقة، كلها أمور تصب في سياق ممارسة العمل المصرفي كبديل عن المصارف، خلافاً لمندرجات قانون النقد والتسليف. علماً أن الحملة الدعائيّة لا تتضمّن أي إيضاحات تشرح مخاطر هذه البطاقة، عبر الإعلان عن المؤسسة الماليّة التي ستودع فيها الأموال، وتجري من خلالها عمليات الدفع، خصوصاً أن شركات تحويل الأموال لا تملك الأدوات اللازمة للقيام بذلك بنفسها، من قبيل الحسابات الوسيطة لدى المصارف المراسلة مثلاً. أما الأهم، فهو أن صدور البطاقة لا يرافقه أي ضمانات تحمي حقوق المودع في أمواله، خصوصاً أن بطاقة الدفع هي في المحصّلة أموال مودعة كالحسابات المصرفيّة تماماً. ومن المعلوم أن شركات تحويل الأموال لا تملك الاحتياطات أو المؤونات الخاصّة لحماية هذا النوع من الودائع.
بمعزل عن ممارسة المهنة المصرفيّة ومخالفة قانون النقد والتسليف، ثمّة فخ لن يلتفت إليه أغلب الزبائن. فتسويق البطاقة بإسم الشركة في هذا الوقت بالذات، يأتي في ظل أزمة الثقة بين اللبنانيين والمصارف. وهو ما يدفعهم للابتعاد عن فتح حسابات الدولار الطازج في المصارف وطلب بطاقات الدفع المربوطة بهذه الحسابات، واللجوء لأي بديل، ولو كان هذا البديل شركة تحويل أموال. لكن مع القليل من البحث، يتبيّن أن الشركة متعاقدة مع بنك لبنان والمهجر لإيداع أموال البطاقات لديه. كما يتبيّن أن الشركة تفرض على طالبي البطاقة توقيع استمارة جانبيّة للمصرف للتعرّف على العملاء. ما يعني أن لجوء شركة OMT لممارسة العمل المصرفي وتلقي الأموال وإصدار البطاقات بإسمها، وبهذا الشكل المخالف للقانون، ليس سوى عمليّة وساطة ماليّة للمصرف، غير القادر على اجتذاب الأموال الطازجة بشكل مباشر من اللبنانيين.
وبذلك تكون شركة OMT قد قامت بعمليّة “إحتياليّة” تهدف إلى وضع اسمها في الواجهة، للتذاكي والالتفاف على العملاء الهاربين من القطاع المصرفي المحلي ومخاطره. ففي النتيجة، ستودع الأموال في النظام المصرفي نفسه، وسيتحمّل أصحاب بطاقات الدفع مخاطر المصارف اللبنانيّة، وكأنّهم طلبوا هذه البطاقات من المصارف. وخلال هذه العمليّة، ستكون OMT قد أطاحت بقانون النقد والتسليف، الذي يحظر عليها القيام بكل الأنشطة المصرفيّة التي تقوم بها حالياً. علماً أن مفهوم تلقي الودائع من الجمهور، الذي يحظره القانون على المؤسسات غير المصرفيّة، ينطبق تماماً على ما تقوم به الشركة، في تسويقها بطاقة الدفع وبيعها واستقطاب العملاء وتلقي أموالهم وتوفير خدمة السحوبات والإيداع وتقديم جميع الخدمات المصاحبة لذلك، ولو كانت الشركة تعتمد على مصرف لإيداعه مردود البطاقات لاحقاً وإدارة المدفوعات. ما يعني أن تعاقد الشركة مع المصرف لهذا الغرض لا ينفي مخالفة القانون في الأساس.
وكأنها حساب مصرفي
تسويق المبادرة على أنها مجرّد بطاقة دفع، غير دقيق. خصائص البطاقة، التي تم الإعلان عنها بمستند من توقيع شركة OMT نفسها، توحي أن ما يفتحه الزبون عملياً هو حساب مصرفي كامل الأوصاف. البطاقة مزدوجة العملة، أي يمكن استخدامها بالليرة اللبنانيّة أو الدولار الأميركي في الوقت نفسه، ويمكن أن يصل سقفها إلى نحو 10 آلاف دولار أميركي أو 15 مليون ليرة لبنانيّة. وعملياً، يمكن لصاحب البطاقة أن يستعملها للمشتريات عبر الإنترنت، من دون أي عوائق، كما يمكنه استخدامها على أي جهاز صرف آلي محلّي أو نقطة بيع في المتاجر. وإذا أراد العميل سحب المبلغ نقداً، فبإمكانه التوجّه إلى فروع شركة OMT نفسها، تماماً كما يتوجّه عملاء المصارف إلى فروعها. كما يمكنه الإيداع من فروع الشركة أيضاً.
تطول لائحة الخدمات التي توفرها الشركة لعملائها، والمشابهة لخدمات المصارف: من خدمة الرسائل النصيّة إلى تكنولوجيا الدفع اللاتلامسي، أي الدفع عبر الأجهزة الإلكترونيّة في المتاجر المحليّة من دون تمرير البطاقة يدويّاً. أما كلفة البطاقة فتبلغ سنوياً نحو 15 دولار أميركي، وهي كلفة مشابهة تقريباً للعمولات التي تفرضها المصارف على حسابات الدولار الطازج (تفرض المصارف عمولات أعلى بكثير على حسابات الدولار المحلّي). مع العلم أن البطاقة تعطي الزبون أيضاً خيار الدفع بأي عملة في أنحاء العالم، وفقاً لسعر الصرف الرائج في يوم العمليّة، ما يؤكّد أن الشركة تقوم بكل هذه العمليات من خلال المصرف المحلّي، فيما تلعب الشركة مجرّد دور الواجهة لاستقطاب العملاء، خصوصاً أن شركة تحويل أموال محليّة لا يفترض أن تملك القدرة على الولوج لشبكات تداول العملات العالميّة بشكل يومي على هذا النحو.
الجوع للدولارات
السؤال الأهم هنا يبقى حول غاية المصارف المحليّة من اللجوء لشركة تحويل أموال، عبر التواطؤ والتعاقد معها، لتمكينها من ممارسة العمل المصرفي وتلقي الأموال من اللبنانيين وفتح البطاقات المصرفيّة، في مقابل إيداع المصارف الدولارات الناتجة عن هذه العمليات. السبب بكل بساطة، الجوع للدولار الطازج، واستماتة النظام المصرفي للحصول عليه بأي ثمن، ولو كانت الوسيلة السماح لشركة تحويل أموال ممارسة أدوار كان يفترض أن تمارسها المصارف نفسها. مع العلم أن المصارف عملت خلال الأسابيع الماضية على إطلاق حملات جديدة لامتصاص المزيد من الدولارات الطازجة من الأسواق، عبر تقديم عروض تقضي بمنح المودع دولارات مصرفيّة محليّة بأربع أضعاف قيمة أي دولارات طازجة يقدمها للمصرف، ما يؤكّد نهم المصارف لهذه الدولارات وحاجتها إليها. علماً أن نسبة الأربع مرّات هذه التي بدأت المصارف باعتمادها مؤخراً هي الأعلى على الإطلاق، منذ أن باشرت المصارف تقديم هذا النوع من العروض لعملائها، حين كانت هذه النسبة تصل في السابق لحدود الثلاث أضعاف كحد أقصى.
لكن في مقابل النهم لابتلاع دولارات السوق، لا شيء يؤكّد أن الدولارات الطازجة الواردة إلى النظام المصرفي لن تلقى المصير نفسه للدولارات القديمة، التي باتت تقتصر قيمتها على سعر الصرف المعمول به لسحبها بالليرة اللبنانيّة. وبغياب قانون الكابيتال كونترول، أو أي إجراء لتنظيم وضع السيولة المتبقية في المصارف حالياً، لا شيء يضمن مآل الدولارات الطازجة التي تودعها المصارف في حساباتها في الخارج من أموال مودعي الدولارات الطازجة لديها. ولذلك، تصبح خطوة OMT الأخيرة أقرب إلى عملية تسويق احتياليّة، لإخفاء المخاطر المرتبطة بالإيداع داخل النظام المصرفي من جديد، عبر إصدار البطاقة وتلقي الأموال بإسم الشركة.
وأمام كل هذه التطورات، يبقى السؤال الأساسي عن سر غياب مصرف لبنان عن الساحة، الذي يفترض أن يكون الحارس الأمين على قانون النقد والتسليف وحسن تطبيقه.