“ماء الزهر”.. ذهب لبنان الأبيض في فصل الربيع

تحلو “الكزدورة” في شهر مارس/آذار بين الأحياء والأزقة في القرى الجنوبية. وقبل أن ينضج ثمرها، تفوح رائحة زهر الليمون البري “أبو صفير”. موسم زهر الليمون في الضيع الجنوبية، موسم مهم لكل بيت، وتعتبر “قنينة” ماء الزهر المقطرة، دواءا منزليا لوجع البطن وارتفاع الضغط ومسكن للاطفال، من الضروري توافرها، كما يحرص المسافرون اللبنانيون على توصية أقاربهم أن يحتفظوا لهم بقنينة من موسم الزهر، ويقومون بإرسالها لهم.

 ينهمك غالبية أبناء القرى بموسم قطاف الزهر، تقوم حنا بعناية فائقة في غربلة وتنقية الزهر من الورق والعيدان، قبل تسليمه الى تعاونية زهر الليمون المتخصصة بتقطير الزهر. تقول: “كل كيلو من زهر الليمون ينتج قارورة من ماء الزهر المصفى سعتها 500 ملليتر، أما سعر زجاجة ماء الزهر الجيدة يبلغ نحو 10 دولار.

يؤثر إنتاج زهر الليمون البري في شهر آذار على الدورة الاقتصادية للبلدات، فمن النادر أن يوجد بيتا ليس أمامه شجرة ليمون. كان أهل حنا يقومون بالتقطير في موسم الزهر، وعندما رحلوا تولت المهمة؛ تبدأ بفرط الزهر، بعد تفتحه بنسبة 15 في المئة، ثم تنشغل بتنقيته من الورق، ومن ثم  تحضر “الكركة” للتقطير ، فيصبح ماء يستعمل في كثير من الوصفات الطبية المنزلية. تنصح حنا بشراء ماء الزهر الطبيعي، “لا تسترخصوا عبوات ماء الزهر التجارية، وتتخلوا عن الجودة”.

تشعل سيدة الحطب تحت “الكركة” الصغيرة، ومن أمام منزلها، تبدأ تقطير موسمها من زهر الليمون، تضع داخل “الكركة” بركة الموسم، وتغمره بالماء، ثم تغلق عليه من القسم العلوي الذي يوضع فيه المياه الباردة، ومنعا للتبخر، تقوم بوضع الطين المجبول بالماء أو الرماد. ترفع بين الحين والآخر قوّة النار، وعندما تبدأ قطرات الماء بالخروج من أنبوب متّصل بـ”الكركة”، تعرف سيدة أنّ الزهر بدأ يتحوّل إلى بخار، فماء، لذا عليها تخفيف النار إلى أقصى درجة، ثم تنزل القطرات قطرة قطرة. بين مرحلتي الغليان والتبخر نحو 6 ساعات تقريبا.

في بلدة مغدوشة (جنوب لبنان)، يعتبر موسم الزهر تراثا من أصالة البلدة، حيث تتحول عاصمة الذهب الأبيض الى خلية نحل، يعمل أبناؤها مع بداية الموسم في قطاف الزهر، ومن ثم يسلم المزارعون انتاجهم الى تعاونية زهر الليمون في البلدة، التي تقوم بدورها في حماية انتاج المزارعين وتصريف إنتاجهم بأسعار مناسبة. في فصل الربيع، عندما يزهر شجر “ابو صفير” تفتتح الجمعية أبوابها، تشتري الزهر وتبيعه لمن يطلبه، وفي المساء يحملون الى المعمل الزهر المقطر، ليتم عرضه وبيعه داخل التعاونية. التعاونية البلدة نالت شهرة واسعة على مدى سنوات، يقصدها الزبائن لشراء ماء الزهر بالجملة أو المفرق.  تستوعب التعاونية في الموسم يوميا نحو ثلاثة الى ثلاثة ونصف طون من الزهر.

خلال عمل التقطير، يشرح عماد “يتساقط دهن الزهر وماؤه، نقوم نحن خلال عملية التقطير بسحب الدهن في القطارة وتجميعه في عبوات زجاجية، وبعد تعبئة العبوات بماء الزهر، نعود إلى وضع كمية قليلة من دهن الزهر على وجه العبوة الزجاجية التي تحتوي ماء الزهر المقطر، لأن دهن الزهر يحفظها أكثر ويعطي ماء الزهر جودة أكبر، هذه هي طريقتنا في إعداد ماء الزهر الطبيعي”.
 تصل أجرة العامل في موسم قطاف زهر الليمون الى نحو 20 دولار، مقابل ثماني ساعات من العمل تبدأ من ساعات الصباح الأولى ولغاية الثالثة عصرا، تتضمن نصف ساعة إستراحة للغداء يتناول خلالها العمال زوادة الطعام. وتخفيفا لمصاريف اليد العاملة أدخلوا ماكينة “الفراطة” الأوتوماتيكية التي تستعمل في قطاف الزيتون، لتساعدهم في فرط حبات الزهر.

لا يتأفف موسى من أجره القليل نسبة الى تعبه، فهو يستأنس برائحة زهر ليمون مغدوشة بعيدا عن رائحة النفايات التي يغرق فيها البلد”. ورغم التعب يعتبر موسم الزهر في البلدات النائية تجارة مربحة، يجني خلاله المزارعون دخلا صافيا إضافيا في الموسم ينقسم بين 50 في المئة ربحاً من ماء الزهر، و25 في المئة من بيع الزهر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى