هناك من ضخّ هواء الدواليب في الرئتين بدل الأوكسيجين.
بين الخوف من أخذ اللقاح والخوف من كورونا هرع اللبنانيون، أصحاب الحظ السعيد منهم، الى أخذ اللقاح. وبين انعكاس ما قد يتمخض عن اللقاح وتداعيات ما قد يُحدثه الفيروس تراجع الثاني في الاعتبارات وتقدم الأول في القناعات. وبين الشيفرة الجينية التي يحذر منها البعض وبينهم الدكتور إسماعيل سكرية وفائض الفرح الذي لاحظه الدكتور فراس أبيض في من تلقوا اللقاح اختار الناس، الغارقون في متاهات القلق، بعض الفرح. التلقيح انطلق ولكن هل علينا ان نفرح أو ان نخاف؟
الرؤساء الثلاثة لم يأخذوا اللقاح أمام اللبنانيين. على الأرجح أخذوه من قبل، لكن، كما تعلمون، تقديم “الخدمة العامة” على حساب النفس الأبية وعدم “حبّ الذات” دفعا الرئيس الثالث الى إعطاء دوره الى من يصنفون أولوية. في حين ينتظر، على ما أخبرونا، الآخران دوريهما. هناك من سيقول ما لنا ولهم. فاللقاح وصل وسنأخذه. وهذا يبقى الأهم.
مشهدية وصول اللقاح الى لبنان بعثت في النفوس راحة. لا أحد يُشكك في الموضوع بعد تتالي أوراق النعوة وموت الأعزاء وتفشي الجائحة وعدم وجود “خيمة فوق رأس أحد”. ومن يخشى من خسارة كل شيء لن يعود يسأل: هل اللقاح آمن؟ لكن، دعونا نسأل. الدكتور بيار زلوعة قال بوجوب ان يأخذ كل اللبنانيين، فوق سن الخامسة والخمسين، اللقاح بأسرع وقت ممكن. إنها الإستراتيجية الوحيدة لمواجهة الفيروس. وهناك، في لبنان، مليون و300 ألف إنسان أعمارهم فوق الخامسة والخمسين”. هو خسر رفيقه. وكثيرون يفقدون يومياً الرفاق والأقرباء والنصف الآخر ولا سلاح في المواجهة إلا اللقاح. ويقول: “الوقائع تخبرنا أن الكثيرين أخذوا أحد اللقاحات الخمسة موديرنا او فايزر او أسترازينيكا او نوفافكس او جونسون ولم يمت أحد. وهو مستعد ان يأخذ اي لقاح يصل اولاً”.
الأطباء سارعوا الى الكشف عن زنودهم وأخذوا لقاح فايزر. مشهد مفرح. وعشرات المسنين نالوا خلال الأيام الماضية اللقاح. رأيناهم، عكس كل الكلام عن تردد في التسجيل على المنصة، يهرعون بلا تسجيل حتى لأخذه. فالحياة غالية والفيروس مرعب قاتل. وهناك، في لبنان، 185 ألف إنسان أعمارهم فوق الخامسة والسبعين (يشكلون نحو 2,7 في المئة من سكان لبنان). وهؤلاء ينتظرون دورهم. دول الإمارات العربية المتحدة وقبرص ومالطا والبحرين لقحت من هم في هذه الشريحة العمرية في أقل من شهر. فكم سيستغرق هذا عندنا؟ سؤال يلحّ به كثير من الأطباء قبل المسنين وأهاليهم حتى. فلا شيء قد يقطع تغلغل الفيروس في العروق وسيناريوات نحر القلوب سوى اللقاح. لكن، قبل ان نضع نقطة على آخر السطر نعود لنسمع من أطباء نثق بهم مقولة: انتبهوا من اللقاح. الدكتور اسماعيل سكرية واحد من ابرز هؤلاء. كثيرون يثقون به ولكن بين الموت الآن اختناقاً وبين الرواسب بعد حين يضيعون.
فلماذا هذه الذبذبات السلبية من أطباء كبار؟ هل لديهم معلومات؟ هل لديهم اثباتات؟ هل لديهم بدائل؟
نبت الشعر على لسان الدكتور اسماعيل سكرية وهو يُحذر من فساد صحي مستشرٍ وهو تقدم أمام القضاء بملفات صحية تسببت بقتل كثير من اللبنانيين. هو ممن اختبروا بالملموس الفساد الصحي وما عاد يثق بالقيمين على “السيستام”. وأتى الفيروس الخبيث ثم أتى اللقاح الذي يخشى منه لأكثر من اعتبار واعتبار “وأنا لن آخذ لقاح فايزر”. يقول هذا بصوتٍ عالٍ. ولكن ما البديل؟ هل انتظار الموت بديل؟ يجيب “فليحافظ الناس على التباعد ووضع الكمامات والنظافة ولينتظروا الخيارات الجديدة”. بينما يتحدث الدكتور سكرية هناك 941 إنساناً في لبنان في العناية المركزة و309 حالات تحت التنفس الاصطناعي وهناك آلاف في غرف الاستشفاء. هؤلاء قد يدرجون تباعاً على لائحة الموتى ويتسببون بتوسيع بيكار الألم النفسي عند أهل وأقارب وأحباء. والحبل على الجرار. ألا تلفت كل هذه الأرقام الدكتور سكرية؟ يجيب “أنا لا أجبر أحداً على اللقاح أو عدم اللقاح بل أبدي قلقي وحذري منه. ولا يمكنني ان أبرهن قلقي لكني بعد كل ما قرأت (مشيراً الى كتب تتستّف على مكتبه) لي كل الحق بالقلق”. ويستطرد: “ألاعيب شركات الأدوية كثيرة لذا من حقي ومن حق الكثيرين أن نقلق”. لكن، الكثير من الأميركيين، كما الأوروبيين، أخذوا اللقاح وأرقام الموت هناك بدأت تتقلص. فكيف يفسر هذا؟ يجيب: “حذري سببه أن الإعلام العالمي ممسوك، والتهويل الذي يمارس عالمياً لا يليق بالعلم. أسلوب التخويف غير مريح. وأنظمة البحث العلمي أصبحت خاضعة لهيمنة سلطة الرأسمال”.
نستمع الى الإختصاصي في الأمراض الجرثومية د. عيد عازار وهو يُظهر جدته فرجيني، التي يزيد عمرها عن مئة عام، وهي تتلقى لقاح فايزر فنطمئن. نعود ونراه يأخذ بنفسه اللقاح فنطمئن أكثر. نعود ونرى كل الأطباء في صفوف المواجهة الأولى مع كورونا يتلقون اللقاح. فنقتنع بوجود هوة هائلة بين من هم مع اللقاح أو ضد اللقاح. الدكتور سكرية يراقب كل المشهد ويتحدث عن “أطباء كثيرين في الموازاة يتريثون”. هو سيأخذ، من جهته اللقاح لكن الصيني أو الروسي لأن لقاح فايزر يحتوي، على ما قال، على شيفرة جينية. لكن أبحاث كثيرة طمأنت الى أن هذه الشيفرة ليست حقيقية ولن تحوّل البشر الى كائنات معدلة وراثياً. فممَ يخاف سكرية؟ وماذا يُقصد بهذه الشيفرة التي سمع عنها ناس كثر ولم يفهموا شيئاً؟ يجيب: “مشكلتنا اننا لم نتلق تطمينات كافية من صانعي اللقاح حول ردة الفعل بعد سنوات، فهناك “ذاكرة” (Memory) ستبقى في الجسم كونها حيّة قد تؤثر لاحقاً فينا” ويستطرد بالقول “الأطباء ضاعوا في مواجهة كورونا و”تلبكوا”.
في المبدأ، الدكتور إسماعيل سكرية مع اللقاح لكن ليس مع لقاح فايزر. يؤكد على ذلك. لأن فيه مادة حية. قد تكون وجهة نظره صحيحة لكن أعداد الموتى في لبنان مخيفة. فهل لديه تفسير لماذا كل هذا الموت؟ يجيب “طلبتُ مراراً من وزارة الصحة ومن الوزير بالتحديد إطلاع الناس، من خلال بيانات، عن أعداد من ماتوا بسبب كورونا مباشرة أو بشكل غير مباشر. فهناك من يموتون بسبب “البرونشيت” سنوياً بسبب إصابات سابقة في الرئتين او مشاكل في عضلات القلب أو بسبب فشل كلوي سابق. هؤلاء يفترض ألا نسميهم موتى كورونا بل أتى كورونا ليزيد الطين بلة. لكن، السبب الأهم في موت الكثيرين، هو عدم وجود خدمات صحية ذات مستوى مطلوب في المستشفيات. ثمة فساد في لجنة التدقيق التي تصنف المستشفيات “من زمان وجاي”. وهناك مستشفيات تعمد الى استئجار أجهزة مطلوبة في التصنيف العالي ثم ردها في آخر النهار بعد أن يغادر المدققون. وأحد المستشفيات الحكومية الكبرى دفع خمسين مليون ليرة لإحدى الشركات في تموز الماضي من أجل توفير مبردات ترفع تصنيفها وعادت وأعادتها في آخر النهار. ورجع المرضى الى استخدام المراوح”. من هو هذا المستشفى الحكومي؟ يجيب “إسألوا القضاء” ويستطرد “حتى الأوكسيجين هناك من يعطون بدلاً منه هواء دواليب. وأحد أصدقائي أخبرني عن شخص قريب له (عمره 37 عاماً) أمضى 25 يوماً في غرفة العناية الفائقة. وذات يوم اتصل به مسؤول قسم التمريض في المستشفى، في شكل خفي، ونصحه بنقل مريضه الى مستشفى آخر لأن نظام الأوكسيجين في المستشفى ليس جيداً”.
كلام الدكتور سكرية يخيف أكثر من كورونا وفايزر والشيفرة الجينية. فهل تتخيلون أن يُضخّ في رئتي إنسان هواء دواليب بدل أوكسيجين؟
ما رأي أستاذ الوبائيات وطب المجتمع في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور سليم أديب بأمان اللقاح؟ يجيب “كل ما يشاع عن عدم أمان لقاح فايزر مجرد كلام لا صحة له. هناك 200 مليون إنسان تلقوا اللقاح حتى اليوم ولم تظهر خطورة. ويشرح: لا يختلف لقاح فايزر عن سواه واعتمد في صناعته المبدأ ذاته في صناعة اللقاحات، باستثناء أنه يؤخذ عادة البروتيين من الخارج فأخذت في حالة فايزر قطعة من داخل الخلية. وبالتالي لا خوف منه أبداً. أما السؤال الوحيد الذي لا توجد إجابة عليه حتى الآن هو كم تدوم حماية هذا اللقاح”. لكن ماذا عن الشيفرة الجينية التي تخيف بعض الأطباء؟ يجيب البروفسور سليم: “اختلطت قصة الشيفرة على كثيرين حيث جرى الحديث قبل حين عن مركب “ship” قد يوضع تحت جلد الأطفال الحديثي الولادة، بديل الدليل الذي يعطى الى الأمهات اللواتي لا يعدن يتذكرن بنسبة 40 في المئة شيئاً عنه، بحيث يضع الطفل يده على جهاز فتظهر كل اللقاحات التي سبق وأخذها. أما لقاح فايزر فلا يُعطى من خلاله شيء من هذا المثيل”. ماذا إذاً عن التشكيك؟ يبتسم البروفسور أديب قائلاً “هو من النظريات المؤامراتية”. وهل أخذه؟ هل سيأخذ لقاح فايزر؟ يجيب “سآخذ لقاح فايزر الذي يأتي من خلال الجهات الرسمية، أما إذا كان اللقاح من جهات خاصة فأفضل أن آخذ أحد اللقاحين الروسي أو الصيني لأنهما لا يحتاجان الى تبريد عال ولا الى إجراءات جد خاصة أخشى ألا توفرها الجهات المستوردة في القطاع الخاص”.
كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”