“القوّات” في فوهة المعارضة… وحيدة
صدى وادي التيم – لبنانيات/
لا تستقيم الحياة السياسية في أي مجتمع كان، إلا عبر تطبيق قاعدة المعارضة والموالاة، فكم بالحري في بلد يتجاوز فيه دور المعارضة جانبه التقني، أي الرقابة، كما في أي نظام ديمقراطي في العالم، إلى حد أن يأخذ هذا الدور طابعاً بنيوياً وتأسيسياً، من أجل مواجهة حالة سياسية قائمة أوصلت البلاد إلى الإنهيار التام.
وفي هذا الإطار، أشارت أوساط سياسية، إلى أن البلاد شهدت نوعاً من المعارضات الوطنيّة في العقود الأخيرة، والتي أدّت دورها الوطني، بحيث أنها لم تكن مجرّد معارضة تقنيّة وإنما ذات طبيعة وطنيّة، وقد تكون من أبرز معالم هذا النموذج من المعارضات ما شهده لبنان ما بين العامين، 2000 و2005، مع ولادة لقاء “قرنة شهوان”، ومن ثم تمدّده إلى “لقاء البريستول” وانضمام الرئيس الشهيد رفيق الحريري و”اليسار الديمقراطي” إلى هذه الحركة، الأمر الذي أوصلنا إلى “انتفاضة الإستقلال”، حيث أدّت هذه الحركة المعارِضة الغرض منها وهو إخراج الجيش السوري من لبنان.
ولفتت الأوساط، إلى أنه بالنسبة لما بعد العام 2005، ومع ولادة ما يُعرف بجبهة “14 آذار”، فالتوقيت الآن ليس مناسباً لإعادة تقييم حركة تلك الجبهة وأدائها، وجلّ ما يمكن قوله، هو أنها نجحت في أماكن وأخفقت في أخرى، فهي تمكنت، بشكل أو بآخر، من إقامة توازن رعب مع الفريق المواجه الذي يجب ألا ننسى أنه “مسلّح” فيما هي كانت تواجهه سلمياً، معتمدةً فقط على الوسائل الديمقراطيّة المشروعة.
أما بالنسبة إلى الواقع الذي وصلنا إليه في لبنان اليوم، فترى الأوساط، أن البلاد وصلت إلى حائط مسدود وتعيش حالة انهيار مالي تام، كما أن الفقر المدقع يتفشّى ما بين الناس بشكل أسرع من وباء “كورونا”، وقد أصبح اليوم ما يزيد عن نصف العائلات اللبنانية يُصنّف من “العائلات الأكثر حاجةً”، وهذا رقم مَهول وخطير جداً باعتبار أنه إذا ما دلّ على شيء فعلى أننا على عتبة انفجار إجتماعي عام في البلاد. ولتكتمل الصورة المأساوية التي نحن فيها، يمكن إضافة الحصار الخارجي المفروض على لبنان على كل ما سبق لنصل إلى استنتاج واحد، وهو أن إمكانية إخراج البلاد من هذا الواقع أصبحت مستحيلة من دون تغيير جذري.
وشدّدت الأوساط، على أنه في ظل هذا الواقع الأليم والمزري، أتى الرئيس المكلّف سعد الحريري، ليقول أن ثمة فرصة للإنقاذ، ويجب أن تُعطى هذه الفرصة فرصتها من أجل إخراج البلاد من المأزق الذي وقعت فيه، عبر “حكومة مهمّة” وفق شروط المبادرة الفرنسيّة. إلا أن هذه “الفرصة” اصطدمت بعائق عدم القدرة على تشكيل هذه الحكومة المرجوّة، ولا يزال التأليف يراوح مكانه منذ 4 أشهر على التكليف، حيث أصبح اليوم من الصعوبة بمكان، الخروج من هذه “المراوحة المأزق” بحكم أن الرئيس ميشال عون ليس بوارد التراجع، كما أن الرئيس سعد الحريري ليس بوارد الإعتذار، وما بين عدم تراجع الأول ورفض الثاني للإعتذار، تراوح الأزمة مكانها منذ أشهر والأوضاع العامة في البلاد تنهار بشكل عمودي، حيث تحكم هذه المعادلة المستحيلة على الشعب اللبنانيّ بالعوز والتقهقر والذل.
وأوضحت الأوساط، أن المعارضة اليوم، قد تكون في هذه اللحظة السياسية في أضعف لحظاتها الوطنية، في ظل عدم وجود وحدة موقف ما بين أقطابها، الأمر الذي بطبيعة الحال يؤدي إلى عدم وجود وحدة صف بينها، حيث كل فريق يغني على ليلاه، ولا يوجد أي محاولة جدّية، لا بل توجّهاً جدّياً لتوحيد هذه الصفوف، باستثناء مدّ اليد الذي يبادر إليه حزب “القوّات اللبنانية”، ويتم الرد عليه علانية بالرفض التام من دون أي مسوّغ منطقي سوى أن هذا الرفض هو لـ”غاية في نفس يعقوب”.
كما أشارت الأوساط، إلى أنه في مثل هذه اللحظات السياسية المأزومة، لا يمكن للمعارضة الهروب من المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقها، عبر اللجوء إلى لعب دورها التقني الضيّق، وهو الرقابة ورفع الصوت فقط بعدما تخلّى معظم أقطابها عن أدوارهم البرلمانية هباءً في الهواء للأكثرية الحاكمة، فتركوا ساحة مجلس النواب سائبة لتقاتل فيها “القوّات” منفردة، ففي مثل هذه اللحظات يُعدّ الركون إلى مثل هذا الأداء، شعبوية وتهرّباً من المسؤولية الوطنية، باعتبار أن المعارضة تتحمّل بشكل عام تلك المسؤولية أيضاً، وعليها أن يكون لديها رؤية واقعية لسبل الخروج من المأزق، تقترن بخطّة عملية قابلة للتنفيذ، وليس التنظير بأجناس الملائكة، أو بمبادئ عامة في السياسة، أو الذهاب نحو اليوتوبيا النظرية التي لا مكان لها في الواقعية السياسية.
ولفتت الأوساط، إلى أن حزب “القوّات اللبنانية” يقوم بما عليه عبر محاولته توحيد صفوف المعارضة تحت عنوان “الشرذمة لا تخدم سوى الأكثرية الحاكمة”، وبأن الإستمرار بالمراوحة القائمة، يشكّل أكبر خدمة للأكثرية المستأثرة بالسلطة الآن.
لذا، لا يمكن تغيير الواقع السياسي القائم اليوم في البلاد سوى عبر طريقين لا ثالث لهما: إما ديمقراطياً أو بالقوّة، وبما أن الطريق الثاني مرفوض من قبل الجميع لسببين، وهما: ألا مقوّمات له فعلية على الأرض، كما أن الجميع يرفض المساس بالإستقرار في البلاد ويعتبره الضمانة الوحيدة الباقية لعدم ذهاب الأمور إلى حيث لا تحمد عقباه، يبقى أمامنا طريق واحد أحد وهو الطريق الأول، الديمقراطي حيث هناك سبيلان للتغيير لا ثالث لهما: إما التظاهرات السلمية في الشارع أو الإنتخابات.
وتابعت الأوساط، مذكرةً بأن مبدأ التظاهر السلمي قد جُرّب لأشهر بعد اندلاع ثورة 17 تشرين، وقد أدّى ما يمكن أن يؤدّيه من دور في هكذا مواجهة، كما أننا أصبحنا اليوم في فترة لا يمكن المخاطرة فيها بالنزول إلى الشارع، لأن هناك احتمال كبير أن يتحوّل هذا التظاهر السلمي إلى انفجار إجتماعي عام في البلاد وفوضى شاملة جراء الإختناق الذي يعانيه الشعب بسبب الأوضاع الراهنة، وما حصل في طرابلس أبرز دليل على ذلك، الأمر الذي يؤكد أنه لم يبقَ لنا سبيل للتغيير الحقيقي إلا عبر الضغط والعمل للوصول إلى انتخابات نيابية مبكرة، باعتبار أن الإنتخابات الرئاسية المبكرة لا تغيّر بالواقع شيئاً، فهي لا تعدو كونها تبديل إسم بآخر.
لذا، لا يمكن أن يتم تغيير الواقع الراهن ديمقراطياً سوى بتوحيد جهود المعارضات بكامل أطيافها، بحسب الأوساط، باعتبار أنه لا يمكن أن تُفرَض انتخابات نيابية مبكرة إلاّ إذا ما تكاتف جميع أقطاب المعارضة مطالبين بها، إلا أنه وللأسف، لا يوجد اليوم أي مؤشّر إيجابي على أن هذه الأقطاب تتّجه إلى أن تتوحّد بعدما تمكّنت أحزاب الأكثرية الحاكمة من زرع جرثومة “ضرورة تغيير قانون الإنتخابات” في أذهان بعضهم، هذا التغيير الذي أساساً لا يفيد سوى هذه الأكثرية.
وأوضحت الأوساط، أن القانون الحالي هو الأكثر عدالة والوحيد الذي يمكّن الناس من إيصال صوتها، وذلك لحسابات بسيطة وهي: إن لم نرد الكلام بالمبادئ السياسية وجوهر “اتفاق الطائف” والمناصفة، فأي قانون آخر ستكون أحزاب الأكثرية الحاكمة أكثر المستفيدين منه؟ وللدلالة على ذلك، فقانون “لبنان دائرة واحدة مع نسبية” سيعطي دفّة التحكّم بنتائجه للثنائي الشيعي، وبالتالي للأكثرية الحاكمة ولن يعكس صحّة التمثيل، أما “النسبية على أساس الدوائر الكبرى “أي المحافظات فأيضاً سيمكّن الثنائي الشيعي من الهيمنة على ما يزيد عن 3 دوائر من أصل 7 قبل بدء الإنتخابات، وبالتالي لن يعكس صحّة التمثيل، أما “الدوائر الصغرى”، أي القضاء، فلا يمكن أن يطبّق فيها مبدأ النسبية بشكل عادل في ظل وجود أقضية كثيرة بمقعدين، وبالتالي، سيتم حجب أصوات الكثير من الشرائح الصغيرة الموجودة فيها. يبقى أمامنا قانون الدائرة الفردية، الذي لا يعدو كونه فرصة حقيقية في هذه الأوضاع المأساوية، من أجل تحويل الإنتخابات من معركة سياسية بامتياز إلى مجرّد معركة مالية اقتصادية بحتة، أو في أفضل الأحوال إلى انتخابات اختيارية تقوم على عصبيات عائلية وعشائرية بالية قد أكل عليها الدهر وشرب.
وختمت الأوساط، مشددةً على أنه في النتيجة المنطقية، لا إمكانية للحدّ من الخسائر التي أُلحقت بنا كشعب لبنان ولا فرصة للخروج من هذا المأزق إلا من خلال تكوين جبهة معارضة داخلية موحّدة، تدفع باتجاه الحل الوحيد المنطقي والمتاح، وهو الإنتخابات النيابية المبكرة تبعاً للقانون الحالي، وإلا فالوضع الراهن مستمرّ حتى ما شاء الله، وفي هذا يتحمّل كل من يرفض هذا الحل المنطقي الوحيد من قبل أقطاب المعارضة، مسؤولية وطنية أمام الشعب والله والتاريخ، شأنه شأن أي حزب من ضمن الأكثرية الحاكمة.
“ليبانون ديبايت” – بولس عيسى