كورونا متحور ” نسخة لبنانية” ..

 

صدى وادي التيم – طب وصحة/

من المعروف أنه كلما طال تداول الفايروس وانتشاره في المجتمع كما فترة الإصابة، زادت فرص تطوره وتحوّره، فكيف الحال بوجود أكثر من متحورة سريعة الانتشار؟

يتجه لبنان للإعلان رسمياً، أو بشكل غير رسمي، عن ثبوت هيمنة متحورات أكثر انتشاراً من “كوفيد- 19” على مجمل الإصابات في الداخل اللبناني. فقد خرجت دراسة قام بها مختبر “كوفيد- 19” في كلية علوم الجامعة اللبنانية بالتعاون مع جامعة “أوكسفورد” البريطانية، لتؤكد وجود متحورات في لبنان على رأسها المتحورة البريطانية، إضافة إلى متحورات أخرى يمكن أن تسمى “اللبنانية”.

تقاعس وزارة الصحة اللبنانية في أداء واجبها!

دق العالم ناقوس الخطر مرة أخرى بعد إعلان بريطانيا اكتشاف متحورة جديدة B.1.1.7 من “كوفيد- 19” تتفشى بسرعة كبيرة على أراضيها. ما لبثت أن تلتها جنوب أفريقيا في الكشف عن متحورة أخرى B.1.351 مختلفة من حيث الطفرات، ولكنها شبيهة بالبريطانية من حيث سرعة الانتشار. هذه المعطيات المستجدة دفعت بريطانيا إلى إعلان إغلاق عام شامل في البلاد لتدارك “المصيبة”، إذ إن وجود متحورة سريعة الانتشار والعدوى يعني ازدياداً سريعاً في أعداد الإصابات سينعكس أولاً على ضغط أكبر على القطاع الصحي المرهق أساساً، وارتفاع في الحالات المتوسطة والخطيرة وبالتالي أعداد الوفيات. أضف إلى ذلك التخوف من كون المتحورات الجديدة أكثر خطورة، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في مؤتمر صحافي، على رغم عدم إكتمال الدلائل العلمية الكافية بعد لتأكيد ذلك.

في المقلب الأخر، أي على كوكب لبنان، نتائج غريبة لوحظ تزايدها في فحوصات الـPCR، أثارت شكوك العاملين في المختبرات المعنية ومنها مختبر “كوفيد- 19” في الجامعة اللبنانية. ما دفع بفادي عبد الساتر، المسؤول عن المختبر، إلى إخطار وزارة الصحة بالأمر إذ إن من مهماتها في هذه الحالة إخطار “منظمة الصحة العالمية” بذلك، فمعطيات حول تطور الفايروس وانتشاره هي موضع اهتمام عالمي، إذ تشمل تأثيراته العالم أجمع. من جهة أخرى، فإن من واجب وزارة الصحة في هذه الحالة الإسراع في إجراء تحليل التركيبة الجينية للفايروس من العينات المشبوهة الضروري لتأكيد الشكوك بخاصة أن تطور الفايروس في لبنان سينعكس على صحة الناس، ما تتحمل مسؤوليته الجهات المعنية المكلفة ضمان الحفاظ عليها.

بينت النتائج أيضاً وجود متحورة ثانية من فيروس الكوفيد 19 هي B.1.258 والتي سبق أن تم رصدها في دول أوروبية أخرى والتي تحتوي على طفرات يرجح أن يكون لها تأثير لجهة قدرة الفيروس على التهرب من جهاز المناعة.

صرخات الاستغاثة من هنا وهناك لم تلق تجاوباً سريعاً من الوزارة المعنية لدرء العواقب الواردة للخطر المستجد، ما دفع علماء لبنان إلى أخذ الأمور على عاتقهم لتبيان ماهية المتحورات الجديدة من “كوفيد- 19” المتداولة في البلاد. عبد الساتر حاول العمل على كشف تفاصيل المتحورات الجديدة المتداولة قدر المستطاع وكما يملي عليه واجبه العلمي، ولكن تحليل التركيبة الجينية للفايروس عبر الـsequencing لتأكيد ما كان متيقناً به، لم يكن ممكناً لعدم توافر الإمكانية والوسيلة. هذا دفعني للمبادرة من موقعي كباحثة في جامعة “أوكسفورد” إلى خلق صلة وصل بين عبد الساتر وعلماء الوكالة التنفيذية من وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية في المملكة المتحدة البريطانية (Public Health England (PHE، للتعاون من أجل تبيان ماهية المتحورات الجديدة من “كوفيد- 19” على الأراضي اللبنانية. وبالفعل تم إرسال العينات اللبنانية إلى بريطانيا حيث تم تحليل التركيبة الجينية للفايروس وتأكيد النتائج بأدلة علمية لا تقبل الشك.

وزارة الصحة المعنية كانت غائبة عن السمع إذاً، ولم ترَ ضرورة للتحرك السريع عند إخطارها بخاصة في حالة كهذه، حيث التأثير سيطاول بالضرورة حياة كثيرين منا. فماذا لو كانت هذه المتحورات أكثر خطورة وفتكاً؟ هل فكرنا في ذلك؟

المتحورات الجديدة تسيطر على لبنان

نتائج تحليل 9 عينات من قبل ال-Public Health England كان قد أرسلها عبد الساتر كشفت ان 8 من هذه العينات تعود إلى المتحورة البريطانية B.1.1.7  وهي متحورة أكثر سرعةً في الإنتشار بنحو 50% من المتحورات الأخرى المعروفة. هذه، بحسب عبد الساتر باتت تشكل ما يفوق ال-95% من نسب فحوصات المجراة يومياً في لبنان. بالاضافة إلى ذلك، بينت النتائج أيضاً وجود متحورة ثانية من فيروس الكوفيد 19 هي B.1.258 والتي سبق أن تم رصدها في دول أوروبية أخرى والتي تحتوي على طفرات يرجح أن يكون لها تأثير لجهة قدرة الفيروس على التهرب من جهاز المناعة. حتى الآن ليس هنالك اي دليل على وجود المتحورة الجنوب أفريقية على الأراضي اللبنانية ولكن هذا غير مستبعد.

من المرجح وجود متحورات أخرى ما زالت تتسلل بصمت بين اللبنانين من دون شك. تحليل التركيبة الجينية للفيروس في عيّنات تغطي شريحة أكبر من الناس يمكن ان يكشف لنا عن متحورات أخرى. فهل نشهد وجود متحورة “لبنانية” من الفيروس؟

تلقيح مجتمعي بأسرع وقت ممكن واجب وضرورة

من المعروف أنه كلما طال تداول الفايروس وانتشاره في المجتمع كما فترة الإصابة، زادت فرص تطوره وتحوّره، فكيف الحال بوجود أكثر من متحورة سريعة الانتشار؟

هنالك عاملان أساسيان للحد من تفشي الوباء في المجتمع: الإجراءات الوقائية والتلقيح. في هذه المرحلة بخاصة مع عدم التزام جماعي بإجراءات الوقاية الضرورية من تباعد اجتماعي وارتداء الكمامة، بات اللقاح أكثر من واجب. ولكن تلقيح نسبة محدودة من المجتمع غير كافٍ لإيقاف الفايروس، بل المطلوب عمليات تلقيح تغطي النسبة الأكبر من المجتمع للوصول إلى حماية مجتمعية، إضافة إلى إجراءات الوقاية، لاحتواء الوباء والخروج من نفقه المظلم شيئاً فشيئاً إلى النور. هذا ما سعت إليه دول انتشرت فيها هذه المتحورات كالمملكة البريطانية والتي بدأت عمليات التلقيح المجتمعي بالفعل مع إقفال عام لتفادي تفاقم الأزمة قدر الإمكان.

أضف إلى ذلك وجود قلق حول فعالية اللقاحات الموجودة مع إحتمال تطور الفايروس لناحية اكتسابه قدرة على التهرب من جهاز المناعة، ما يحتم التعجيل في عملية التلقيح أكثر وأكثر. ولكن فلنواجه الواقع كما هو، في ظل عدم قدرة الشركات المعنية على إنتاج كميات من لقاحات “كوفيد- 19” كافية لتغطية مليارات البشر حول العالم، كذلك إسراع دول غنية ومتطورة إلى حجز أعداد كبيرة من الجرعات لسكانها على حساب الدول النامية أو الفقيرة جعل الأمور أكثر تعقيداً.

المطلوب عمليات تلقيح تغطي النسبة الأكبر من المجتمع للوصول إلى حماية مجتمعية، إضافة إلى إجراءات الوقاية، لاحتواء الوباء والخروج من نفقه المظلم شيئاً فشيئاً إلى النور.

إذا ما عدنا للبنان فبحسب وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، تم بالفعل حجز نحو مليوني جرعة من لقاح فايزر/ بيونتيك في عقد موقع مع الدولة اللبنانية، على أن تصل هذه الجرعات على دفعات آملين بأن يكون أولها في أواخر شباط/ فبراير. أضف إلى ذلك توقيع لبنان مع منصة “كوفاكس” والتي يفترض أن تؤمن مليوني جرعة إضافية ستصل تباعاً أيضاً ولكن من دون تحديد تواريخ لذلك بعد.

المطلوب هو تلقيح مجتمعي بأسرع وقت ممكن، بدءاً بالفئات الأكثر عرضة لمخاطر الإصابة والمضاعفات كأولوية، بخاصة مع ثبوت تداول متحورات جديدة في المجتمع وذلك لتفادي ازدياد الوضع سوءاً، أو تطور الفايروس أكثر. أي تأخير سيزيد احتمالات المراهنة على أرواحنا والحديث عن وصول دفعات أولى عبارة عن بضعة آلاف من جرعات اللقاح فقط، من دون تحديد مواعيد الوصول اللاحقة مقلق، إذ إنها ستغطي عينة صغيرة فقط من المجتمع في أحسن الأحوال.

إذاً نحن الآن أمام سيناريو يتم الرهان به على أرواحنا، بخاصة مع قرارات الدولة اللبنانية الصادرة راهناً بإنهاء الإغلاق تدريجاً وإعادة فتح البلد. فإلى أين نحن ذاهبون؟ ومن يتحمل المسؤولية في ظل غياب الأفق الواضحة؟

شخصان إذاً قاموا بعمل الدولة وما كان من المفترض أن يكون من مهامها. طبعاً كان من المتوقع أن يتعاملوا مع النتائج بعدما اطلعهم عليها عبد الساتر بجدية من باب العجلة والمسؤولية ومنها لجهة تنبيه العامة، ولكن شيئاً لم يهزهم، بل قرروا المماطلة بحجة تحويل الأمر الى “لجنة علمية”. نتائج الدراسة لا تحتمل الشك طبعاً إذ انها صادرة عن جهة رسمية تابعة لوزارة الصحة البريطانية وألتي كانت ابحاثها وراء الإعلان عن إكتشاف المتحورة البريطانية في بادئ الأمر، والدولة اللبنانية التي من المفترض أن تفتخر بأبحاث علماء من جامعتها الوطنية وتدعمها، وتدعمهم، خيبت الأمال ولم تكترث!

المصدر: درج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!