في بلدة سحمر الاقفال العام في البلاد ساهم في زيادة الاصابات بكورونا بشكل كبير…
صدى وادي التيم – لبنانيات/
“تحت عنوان “تفشٍّ عائلي لكورونا في سحمر برغم قرار الإقفال… تضافر جهود لاحتوائه وإغلاق شامل للبلدة”، كتب دانيال خياط في موقع النهار:
باشرت بلدية سحمر في البقاع الغربي اليوم تنفيذ قرار الإقفال الشامل للبلدة الذي سيستمر لغاية يوم الأحد المقبل، الذي اتخذ في اجتماع طارئ للبلدية مع مختاري البلدة وممثلين عن الأحزاب والقوى الفاعلة فيها، بعد تفشي الاصابات بجائحة #كورونا ليصل عدد الإصابات إلى 229 إصابة ناشطة في البلدة التي يقطنها 10 آلاف و 500 نسمة يتوزعون على 1465 وحدة سكنية، من بينهم 2500 من السوريين الذين يقطنون في المنازل وليس في مخيمات.
وهذا الأمر يستدعي التوقف عنده، وهو أن ارتفاع أرقام الإصابات في البلدة تفاقم خلال فترة الإقفال العام في البلاد بغرض احتواء التفشي المجتمعي لكورونا. إذ تظهر أرقام التقرير السنوي الذي نشرته بلدية سحمر على صفحتها على موقع “فايسبوك” في 11 كانون الفائت، أي بعد 4 أيام من بدء تطبيق الإقفال العام في البلاد، بأن العدد التراكمي لحالات كورونا، منذ بداية الجائحة لغاية تاريخ نشر التقرير، كان 147 حالة، فيما عدد الحالات الناشطة 7 حالات وعدد الوفيات حالة واحدة، وحالات الشفاء 139. لتتغير الأرقام بسرعة قياسية في غضون أيام، على مشارف بدء تطبيق إجراءات الإقفال العام وفي خلاله، ليرتفع العدد التراكمي الى 411 حالة، وعدد الحالات الناشطة الى 229 حالة، وعدد الوفيات الى إثنتين، يقابلها 197 حالة شفاء.
فما الذي حصل ليأتي قرار الإقفال العام بغير نتائجه؟
الواقع في بلدة سحمر لا يختلف كثيراً عن باقي واقع البلدات البقاعية، إذ استعاض المواطنون عن انقطاعهم عن العمل، بالتجمعات داخل المنازل، من لمّة العائلة، إلى تبادل الزيارات وسهرات لعب الورق والألعاب الإلكترونية الجماعية، والاجتماع حول النرجيلة. وبالتالي فإن مظاهر الإغلاق العام، الظاهري أحياناً، بحيث ثمة مصالح بقيت تعمل ولو بالقدر الأدنى خلف الأبواب المقفلة، لم يكن يعكس النشاط الاجتماعي القائم خلف أبواب المنازل. إلا أن ارتفاع نسبة الإصابات في سحمر، ومتابعة البلدية لها ومجاهرتها بتلك الأعداد، سلّط الضوء على بلدة سحمر نموذجاً لكيفية عمل الإقفال العام بعكس المرجو منه عند غياب الوعي لدى الناس، وطغيان العواطف والعادات والتقاليد، وفي أحيان عدم المسؤولية.
“النهار” سألت رئيس بلدية سحمر حيدر شهلا عن أسباب تفشي الوباء في البلدة، بظل الإقفال العام فأوضح بأنه “تبين لدينا على ضوء الفحوص العشوائية التي قامت بها وزارة الصحة بحدود 230 فحصاً، بأن الإصابات عائلية، من الجد إلى الجدة والأم والأب والأحفاد”. وأضاف في معرض إجابته: “هو موضوع اجتماعي، ونحن شرقيون، ونحرص على التواصل العائلي. عندما أقفل المواطنون مصالحهم، صارت العائلات تجتمع. يتواصل الجد مع أصهرته، ومع الكنائن ومع الأحفاد ويدعوهم إلى الاجتماع عنده، ويشوي لهم اللحمة، فيكون أحدهم مصاباً وينقل العدوى الى باقي أفراد العائلة. عندما كانوا في أشغالهم كانت الإصابات متفرقة”.
وبالغوص في أسباب التفشي سألنا عن استمرار “جمعات النرجيلة ولعب الورق” وهي عادات استمرت في البلدات والقرى، في إزاء علاقة المواطنين مع البلديات كسلطة محلية، بما يضعف دورها في قمع المخالفات ومعاقبة المخالفين، مقابل قدرة السلطات المركزية على فرض تطبيق القوانين المرعية الإجراء.
لا تشذّ بلدة سحمر عن القاعدة، وهي واجهت “مشكلة مع المقاهي”. ويقول شهلا “نحن كبلدية نسطر ضبط مخالفة، ولكن في بلدة تعدّ 10 آلاف نسمة لدينا شرطي بلدي واحد. يفترض أن تكون يد الدولة من حديد في تطبيق قرارها منع المقاهي ومحال الإنترنيت وأماكن اللهو أن تفتح أبوابها، ولكنها تفتح ليلاً نهاراً ولغاية الصباح، وأمام الدوريات، لماذا لا يسطرون محاضر ضبط؟ وفي هذا الموضوع تقع البلدية بإحراج، تسطر ضبط مرة واثنين، فتخلق مشكلات نحن بغنى عنها”. يضاف أيضاً الى الأسباب السابقة لتفشي الفيروس بين العائلات، عدم تطبيق المصابين لإجراءات الحجر الصحيحة، بحيث “يعتبر المصاب بأنه سبق وخالط عائلته قبل معرفته بالإصابة، فيستمر بمخالطته لها”.
بموازاة اجراءات الإقفال الشامل، تحولت سحمر إلى “خلية أزمة ضد كورونا، ولمساعدة المصابين”. ونشطت بلدية سحمر لمواكبة هذا الإقفال لوجستياً ومراقبة تطبيقه بالتعاون مع متطوعين من البلدة وخلية الأزمة المركزية التابعة ل ل ح ز ب في المنطقة، وأطراف أخرى.
ويفنّد رئيس البلدية الإجراءات المتخذة: باشرت “خلية العزل” عملها من السابعة صباح اليوم، بحيث تجوب 8 سيارات في البلدة، لمراقبة تنفيذ إلزامية التزام المنازل ومنع التجمعات، تقلّ شباناً “من خيرة الشباب المتعلم القادر على الإقناع” بالعدول عن الزيارات. وفي حال واجهت “خلية العزل” مشكلة مع إحدى العائلات أو مع أحد الأفراد، يتم التواصل مع المختارين للتدخل وإقناعهم بطريقة حضارية وإنسانية بضرورة تجنّب الزيارات والتجمعات.
جرى تفعيل عمل “خلية الاستجابة السريعة”، التي تضم طبيبين يعاونهما عدد من الممرضين، وقد دعمتها خلية الأزمة المركزية بـ4 أطباء و 8 ممرضين وممرضات. فقامت “خلية الاستجابة” بزيارة المصابين في بيوتهم، وجالت على 153 منزلاً، قدمت إرشادات لأصول العزل الصحيحة للمصاب بكورونا، ووزعت لهم معقمات، وخبزاً يغطي حاجتهم لبضعة أيام، كما جرى توزيع 53 الف كمامة في البلدة. وفي خلال الجولة رصدت حالات عديدة لعائلات فقيرة، “فتداعى العمل الاجتماعي في ا ل ح ز ب وكثير من اصحاب الأيادي البيضاء لدعمهم بحصص إعاشات. على أن يتم توزيع الإعاشات على محتاجيها بعد إنجاز إحصاء لهم”. وتلعب “ا ل ه ي ئ ة الصحية ا ل إ س ل ا م ي ة” دوراً داعماً أساسياً للبلدية على مستوى الإمكانيات والخبرات التي تمتلكها من خلال المسعفين ومن خلال الآليات لنقل المرضى الى مستشفى مشغرة الحكومي. كذلك وضعت “مؤسسة عامل” بتصرف البلدية طبيباً وممرضين وسيارة، وأبدت استعدادها لتزويد المحتاجين بآلات الأوكسجين. ووضعت “اللجنة البيئية” بتصرف البلدية 4 متطوعين لتوصيل الخبز من الفرن والصيدليات للمنازل.
وكان لافتاً أيضاً طلب رئيس البلدية متطوعين من ذوي اختصاص علم النفس لمواكبة المرضى، “فتجاوبت الطبيبة كوثر عمر من بلدة مشغرة، ووضعت نفسها بتصرف البلدية للتواصل مع أي حالة تحتاج لدعم نفسي”. وفي هذا الإطار يروي رئيس البلدية، عن حالة عائلة أصيب كل أفرادها، فوقع على عاتق الأم خدمة العائلة، في وقت كانت هي نفسها غير قادرة على التحرك نتيجة إصابتها، ما شكل لها أزمة نفسية، فجرى العمل معها على وضعها النفسي وتأمين احتياجات العائلة على المستوى الطبي والمعيشي. لافتاً الى “توجيه من الخلية المركزية، بأنه عندما تصاب الوالدة يقع خلل على مستوى إدارة المنزل بالنسبة للعناية والنظافة وتجهيز الطعام”. وعليه “فعّلت الخلية المركزية مطبخها لتأمين طبق ساخن من الأكل الصحيّ العالي الجودة، يصل الى باب منزل العائلة التي تحتاج الى مثل ذلك التدخل لمساعدتها”.
وإذا كان رئيس البلدية قد تواصل مع قائمقام البقاع الغربي وعبره مع محافظ البقاع، كذلك فإن التواصل مع وزارة الصحة أدى الى رفع عدد الفحوص العشوائية في البلدة الى 230 فحصاً، إلا أن السؤال يبقى عن دور الدولة في مواكبة تفشي كورونا في سحمر؟
يقول رئيس البلدية: “دور الدولة فاعل وداعم، ولكن كلنا نعرف واقع الدولة وقدراتها في الجانب اللوجستي، كورونا منتشر على مستوى البلاد كلها، وأجهزة الدولة تعمل ليلاً ونهاراً في ظل إمكانيات ضعيفة، بالتالي نحن كبلدية ومتطوعين مع البلدية نغطي الفراغ. أما على صعيد الأساسيات تواصلنا مع الأجهزة الأمنية والجيش عبر القائمقام والمحافظ، وأبدوا الاستعداد لتكثيف الدوريات داخل البلدة لفرض القانون لناحية ما قبل الإقفال وما بعده أيضاً، ووجهناهم مع شرطي البلدية لتسطير محاضر ضبط بحق كل مخالف، وفرض القانون بشكل عام”.
من مخاطر تفشي كورونا ارتفاع الحالات التي تحتاج إلى الاستشفاء، وقد تم نقل 11 مصاباً من بلدة سحمر ليلاً ومصابين اثنين صباح اليوم، الى مستشفى مشغرة الحكومي، وهو المشفى الوحيد الذي يوفّر عناية فائقة وأسرة لمصابي كورونا في المنطقة، بما يضعه تحت ضغط هائل سواء على طاقمه الطبي والتمريضي، أو لجهة توفير أسرّة للمصابين. بحيث تتم العناية بالمصابين في قسم الطوارئ لحين توفر سرير لهم.
تضم سحمر في نطاقها البلدي مستشفى البقاع الغربي، وقد جرى البحث بين إدارة المستشفى ورئيس البلدية في فتح قسم كورونا، وعليه توجه الأخير بكتاب لوزارة الداخلية يطلب فيه الإذن لتجهيز قسم عناية فائقة يفتقر إليها المستشفى، وقد جاءه الردّ بإمكانية توفير “بيت جاهز متنقل” بمعنى عيادة متنقلة، نظراً للوقت الذي ستستغرقه معاملات الترخيص لاستحداث قسم عناية فائقة، على ما أوضح رئيس البلدية، مشيراً الى أنه أبلغ مدير المستشفى بمضمون كتاب الردّ ليصار العمل على أساسه.
لماذا تقرر الإقفال أربعة أيام فقط؟
يشرح رئيس البلدية “عندما اكتشفنا أن الموضوع اجتماعي داخلي، فرضنا إقفالاً كاملاً، بحيث لا يسمح سوى لمحطة وقود وصيدليات البلدة الأربع وفرن البلدة أن تفتح أبوابها، وجرى توفير أرقام العاملين بالدليفري، وذلك لـ 72 ساعة. كل يوم تقوم غرفة العمليات بتقييم اليوم الذي مضى، وفي ضوء التقييم قد نزيد يوماً أو يومين إذا ما احتاج الأمر”. مشدداً على أنه “عندما نفتح صبيحة يوم الأحد سيستمر الالتزام بإجراءات الإقفال العام الحكومية وسنستمر في متابعة تطبيقه”.
إذا كانت سحمر اليوم نموذجاً لتراخي المواطنين بالالتزام بالحجر وإجراءات الوقاية من كورونا في منازلهم وبين عائلاتهم، بما أفقد الإقفال العام الغاية منه، فإنها أيضاً قد تقدم غداً نموذجاً عن كيفية احتواء تفشي الوباء، بتضافر الجهود على المستوى المحلي والأهلي.
فإجراء الإقفال طال كل المصالح الاقتصادية بما فيها تلك التي تعنى بالطعام، والإبقاء على فرن البلدة وصيدلياتها ومحطة وقود واحدة مفتوحة. منع كل أنواع الزيارات واللقاءات والسهرات حتى العائلية منها، ومنع التنقل في البلدة ووقف دخول الباعة المتجولين إليها، للتخفيف من حدة الإقفال ومواكبته.