“لبنان والمهجر” يُنجز صفقة بيع فروعه في مصر بقيمة 480 مليون دولار، البنوك اللبنانية تحفظ الفرع الخارجي “الأبيض” ليومها الداخلي “الأسود”

صدى وادي التيم – إقتصاد/

المثل الشعبي القائل “نيال البيت إللي بيطلع منو بيت” تحول في لبنان إلى “نيال البنك الذي يملك فروعاً في الخارج”. فالاستثمارات الهائلة للقطاع المصرفي اللبناني في الخارج أيام الوفرة، تحولت إلى “قجة”، مكّن فتحها بعض المصارف مؤخراً من مواجهة أزمة السيولة الكبيرة التي تعصف بها. لكن هل بيع الأصول في الخارج كفيل وحده للخروج من المأزق؟ وهل من افادة مباشرة للمودعين من تعزيز المصارف لأصولها؟

جديد البيوعات إعلان بنك لبنان والمهجر BLOM BANK رسمياً إنجاز صفقة بيع جميع الأصول المادية وغير المادية لبنك بلوم مصر بالإضافة إلى حسابات العملاء بقيمة ناهزت 480 مليون دولار. حيث كان بلوم بنك الذي يملك 99.42 في المئة من رأس المال المصدر لبنك بلوم مصر، قد دخل في أيلول العام 2020 في محادثات حصرية مع شركة ABC البحرينية تكللت مطلع هذا العام بالنجاح.

تلبية متطلبات مصرف لبنان

السؤال الأول الذي يتبادر إلى أذهان المودعين والمتعاملين مع بلوم بنك تحديداً هو: هل من الممكن ان ينالوا أي حصة من قيمة هذه البيعة؟ “بالتأكيد كلا” يجيب المستشار المالي د. غسّان شماس. “فهذه الاموال ستخصص حصراً لتلبية متطلبات مصرف لبنان بزيادة رأسمال المصرف بنسبة 20 في المئة، وتأمين نسبة 3 في المئة من مجمل الودائع بالعملات الصعبة في المصارف المراسلة في الخارج. وعليه اذا اعتبرنا ان رأسمال لبنان والمهجر يتراوح بين 2 و2.5 مليار دولار، فان عملية البيع هذه أكثر من كافية لتلبية الشرط. لكن ما يفيد المودع والمتعامل مع بلوم بنك هو تأكده من أن “المصرف لن يخرج من السوق ويعلن افلاسه. وانه يقوم بكل واجباته للمحافظة على موقعه وتأمين استمراريته”، يقول شماس. وهذا ما ظهر واضحاً في تعليق رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لبنك لبنان والمهجر سعد الأزهري الذي قال: “إن هذه الصفقة تُظهر التزامنا المستمر تجاه مساهمينا وتفانينا في استراتيجيتنا. وسيسمح لبنك لبنان والمهجر بالامتثال لأحدث الأنظمة الصادرة عن مصرف لبنان، والتي تنص على أنه يجب على جميع البنوك اللبنانية زيادة رأس مالها بنسبة 20 في المئة”.

بلوم ليس الاول ولن يكون الأخير

صفقة بيع الأصول الخارجية لبنك لبنان والمهجر ليست الأولى بين المصارف اللبنانية ولن تكون الأخيرة. فقد سبقه بنك عوده في المحادثات مع Capital Bank of Jordan لبيع فروع بنك عوده اللبناني في الأردن والعراق، حيث من المتوقع الاعلان رسمياً عن نجاح الصفقة في اليومين المقبلين. كما تشير بعض المعطيات إلى إنجاز مجموعة عوده مؤخراً بيع مصارف عوده سوريا إلى مجموعة عبجي بقيمة 20 مليون دولار. ومن المرجح ان تقوم أغلبية المصارف التي تمتلك فروعاً في الخارج، وتحديداً في كل من العراق وقبرص إلى بيعها مكرهة في المستقبل القريب. فبالاضافة إلى متطلبات الرسملة الداخلية، فان السلطات النقدية في قبرص تعمل مثلاً على تحضير قانون يجبر المصارف اللبنانية العاملة هناك على تكوين احتياطي بنسبة 100 في المئة من حجم الودائع. فيما يشترط المركزي العراقي على المصارف اللبنانية العاملة بالاحتفاظ بنسبة 70 في المئة من الودائع داخل العراق، و30 في المئة خارجه، ويفرض شروط عمل تكاد تكون تعجيزية على المصارف اللبنانية.

تغطية المخاطر الائتمانية

متطلبات الرسملة التي فرضها المركزي بنسبة 20 في المئة لا ترتبط بالاستحقاقات الداخلية للبنوك فحسب، بل هي تتعلق بالاسس والمبادئ العالمية المفروضة في اتفاقية بازل3 ومعيار IFRS9 الذي يحتسب على أساسه رأس المال الأدنى الكافي لتغطية المخاطر الإئتمانية للقروض المصرفية. وبحسب شماس فان “المصارف اللبنانية دائنة للقطاع الخاص بقيمة 40 مليار دولار، 30 في المئة من مجمل هذه القروض، أو ما قيمته 12 مليار دولار، تقع في خانة الديون المعدومة أو المشكوك بتحصيلها. في حين ان رأس مال كل القطاع المصرفي مجتمعاً يبلغ 22 مليار دولار. وبالتالي فان الديون المعدومة وحدها تشكل ما نسبته 50 في المئة من مجمل رأس المال. وعليه فان الزيادة بنسبة 20 في المئة أو ما يعني 4 مليارات دولار يبقى رقماً قليلاً جداً ولا يلبي فعلياً متطلبات اعادة الرسملة الفعلية، خصوصاً ان الحاكم لم يشترط تأمينه نقداً، بل ترك المجال مفتوحاً أمام المصارف للرسملة بأكثر من طريقة”. وهذا ما يقلل من فاعلية إعادة الرسملة التي تقوم بها المصارف ويضعها في خانة حفظ ماء الوجه أمام الجهات الخارجية، والاقتراب قدر الامكان من النسب المفروضة عالمياً. كما ان هذه النسبة هي “الحد الادنى لكي لا يدخل المصرف بما يعرف بـ “تصفية جبرية”، يصبح المركزي ملزماً معها التدخل لحماية الودائع”، يقول شماس.

أشكال الرسملة

باستطاعة المصارف تلبية شرط إعادة الرسملة بأكثر من طريقة. بيع الاصول في الخارج قد يكون أسهل هذه الطرق وأسرعها. إنما ما هو مصير البنوك التي لا تملك فروعاً أو اصولاً في الخارج ؟ أو انها تملك لكنها لا تستطيع تسييلها؟ فمن أين ستلبي شرط إعادة الرسملة؟

تنقسم طرق اعادة الرسملة إلى عدة اقسام:

– بيع الاصول كما حدث مع بلوم بنك.

– BAIL IN أو ما يعني تحويل جزء من الودائع إلى أسهم في المصرف. ولكن “هذه الطريقة غير ناجحة أو فعالة”، بحسب شماس، “بسبب انعدام ثقة المودعين بالقطاع المصرفي. وعدم مبادرة المصارف إلى أي تغيير جدي في مجالس ادارتها أو حتى سياستها لكسب التعاطف وثقة المتعاملين”.

– اللجوء إلى تحويل جزء من الودائع إلى حساب يعرف بـ “حساب الاموال المتاحة” (اعتمد هذه الطريقة كل من بلوم وعوده) وعند عقد الجمعية العمومية تحول الاموال المتاحة الى رأس المال. ولكن كما يظهر فان هذه الطريقة تعتبر قاصرة أيضاً حيث “لم يتخطَّ حجم هذا الحساب في بلوم على صعيد المثال 65 مليون دولار بدلاً من 150 مليوناً كما كان متوقعاً”، يقول شماس.

– حسم على الذمم المالية بالعملة الصعبة (أغلبية المصارف تلجأ اليها) مقابل الدفع بالدولار الطازج. وهذا ما يسمح للمصارف بالحصول على جزء من الديون بالعملة الصعبة نقداً، ويحرر من الجهة الأخرى من الاحتياطي المأخوذ على الديون المتعثرة.

– إعادة تقييم الأصول داخل لبنان بناء على تعميم مصرف لبنان.

– التشجيع على دخول مستثمرين أجانب وهو ما يعتبر “أضغاث أحلام”، بحسب شماس، بسبب الوضع الراهن في لبنان.

في المحصلة فان 20 في المئة المطلوبة من السهل تأمينها من الناحية العملية، فجزء منها ممكن تأمينه من الاموال الخاصة لاصحاب المصارف اذا تقصدوا ذلك، وقسم آخر قد يؤمن بسهولة من مجموعة من المودعين عبر BAIL IN خصوصاً ان رأس مال بعض المصارف لا يعتبر كبيراً وهو لا يتجاوز الـ 500 مليون دولار في الكثير من المصارف. انما المشكلة الفعلية تبقى، بحسب شماس، هي كفاية 20 في المئة لاعادة بناء قطاع مصرفي قوي وسليم.

خالد أبو شقرا-نداء الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!