بيروت المفلسة ملاذاً سياحياً للعراقيين بدولاراتهم القليلة

صدى وادي التيم – لبنانيات /
الثامنة والنصف مساءً، يجول مقداد (36 سنة) برفقة صديقه في شارع #الحمراء ببيروت. يواجه برد كانون البيروتي بمعطفه الأسود الذي أحضره معه من العراق، ويلف عنقه بشالٍ أحمر مزخرف. جاء إلى لبنان منذ حوالى أيام عشر لقضاء عطلة. شركة السفريات العراقية التي تكفلت رحلته السياحية كسواه من العراقيين، أمنت لمجموعة منهم باصاً كبيرًا ليقلهم من المطار إلى فندق #الحمرا.
رغد سياحي عراقي
ومقداد لا يزور لبنان للمرة الأولى، بل هو هنا للمرة الثالثة منذ منتصف عام 2021. وأثناء تنقله في شارع الحمراء يوزع التحيات على رفاقه العراقيين الذين جاؤا مثله إلى بيروت للسياحة أوالدراسة، وهم ينزلون إلى جواره في الحمراء. صديقه عمر يرافقه في جولته، وهو في بيروت لإنهاء دراسة الماجستير في الجامعة الإسلامية في خلده. ويوزع الصديقان ابتسامتهما على المارة من اللبنانيين والأجانب، تعبيراً عن فرحهم في أنهم في شارع الحمراء، الذي له في ذاكرتهما ومخيلتهما حكايات وصوراً جميلة. ولا ينفكان عن الوقوف أمام واجهات المحلات التي تعرض بضائعها بالليرة تارة وبالدولار طوراً. “الحين، بكم الدولار؟”، يباغت مقداد صديقه عمر بلهجته العراقية، فلا يجيبه. يقصدان صرافاً يقول إن الدولار بـ26700 ليرة، فتظهر ملامح الخيبة على وجهيهما، بعدما كان وصل إلى 33000 قبل أيام. ويتنقل الصديقان بين محلات الصرافين يومياً، فلا يصرف أي منهما أكثر من حاجتهما اليومية تجنباً للخسارة.
وبعدما وضع مقدار كدسة من أوراق المئة ألف ليرة لبنانية في محفظته الصغيرة التي يثبتها على خصره، أكمل الصديقان طريقهما متوجهين إلى زيتونة باي. فمقداد يستمتع بالسير ليلاً على شاطئها، ليلتقط له صديقه صوراً تظهر فيها اليخوت خلفه، ليروح ينشرها على وسائل التواصل الاجتماعي فرحاً بما يعيشه من رغد الحياة في بيروت.
وكتب مقداد على صفحته الفيسبوكية أنه دخل مقهى ستاربكس، وطلب من الفتاة الجميلة التي تقف خلف صندوق المحاسبة، أن تختار له مشروباً لذيذاً. فسألته عن حجم الكوب، النكهات، الإضافات. “على ذوقك”، أجابها لقلة معرفته بأنواع مشروبات هذا المقهى. وبعد جلسته في ستاربكس عاد إلى فندقه في شارع الحمراء، والذي استأجر جناحاً بـ550 دولاراً لأيام وليل عشر، ونزل فيه مع عمر. وهو لا ينفك عن الاتصال بمعارفه، فيعلمهم بتفاصيل يومياته في لبنان الجميل. ويخبرهم أنه التقى البارحة رفاقه القدامى على كورنيش بيروت البحري، قرب صخرة الروشة، أثناء التقاط الصور التذكارية برفقة عائلاتهم. ومن ثم قصدوا مطعم بلاس كافيه لتناول الطعام “من أجمل المطاعم التي قصدتها خلال زيارتي لبنان”، قال.
ومقداد وسواه من العراقيين يحبون بحر بيروت كثيراً وأجواءه الجميلة. وما إن أتى نادل المطعم وسأل عما يطلبونه، حتى طلب مقداد أطباقاً من اللحم المشوي والدجاج وبعض أنواع السمك، والمازة اللبنانية على أنواعها، إضافة إلى مشروبات الغازية، وسأل عن أنواع الحلويات لتذوقها بعد الغذاء.
ليلة في حانة
وبعد الغداء أحضر النادل النراجيل، فبدلوا طاولتهم إلى طاولة مطلة أكثر على البحر. فجال مقداد بنظره على الطاولات المجاورة لهم، فإذا بمعظمها التي يجلس حولها لبنانيون، تخلو سوى من أكواب عصير أو صحن حلوى مع نرجيلة.
في الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، يبزغ قمر خجول في سماء بيروت المظلمة. لكن مقداد وصاحبه يبصرانها مضيئة. لا ينتبهوا لعتمة الشوارع، لعشرات الحانات المقفلة. وفي النهار لم ينتبهوا أيضاً لما يماثلها من محال خالية مهجورة.
قصد مقداد وصديقه إحدى الحانات في أحد زواريب شارع الحمراء. اختارا مقعدين إلى البار، وطلبا مشروباً من “البارتندر”. الموسيقى صاخبة، المشروبات توزع على الزبائن القليلين وأكثرهم عراقيون، يلتف مقداد بكرسيه نحو الحاضرين. يتمتع بمشهد صبية هنا وأخرى هناك. يرتشف من كأس مشروبه المفضل المزين بأوراق الروزماري.
يزور هذه الحانة تكرراً. يحب #الموسيقى الصاخبة فيها.
السياحة في الضاحية
في الصباح يزور حلاق المنطقة. ويطلب منه قَصّة معينة وحلاقة ذقنه. وعند الانتهاء يبدي إعجابه بشكله الجديد. يستقل سيارة أجرى طالباً توصيله إلى ضاحية بيروت الجنوبية. طلب منه السائق 70 ألف ليرة. صديقه أخبره عن مطعم الجواد المعروف في الضاحية. قال له إنه يقدم ألذ المأكولات، إضافة إلى جلسة لطيفة. صديقه ينتظره في المطعم. وبعد انتهائه من الطعام وأحاديثه اللامتناهية المشوقة عن ليلته في الحانة، يخبر صديقه أنه قص شعره بـ200 ألف ليرة. فيرد صديقه أنه تعرض للاستغلال وعليه الانتباه، فالمبلغ المطلوب يجب ألا يتعدى مئة ألف ليرة.
ومقداد راح يشعر أنه يتعرض كسائر العراقيين في بيروت للاستغلال. ولا تقتصر رحلته إلى الضاحية الجنوبية لزيارة المطعم المعروف، بل لشراء الثياب بأسعار زهيدة. وزيارة قرية مجمع الساحة التراثي على طريق المطار القديم، وللتجول في سوقها العتيق ومتحفها التراثي.
والعراقيات تزددن أنوثة في لبنان. تجدهن في صالونات الضاحية الجنوبية للتجميل. يهتممنَ بأظافرهن وشعرهن. وبحسبة صغيرة يشعرن أن كل هذه الخدمات التجميلية لا تتعدى كلفتها 30 دولاراً. وهن يدفعن بالدولار، لكن بعد أن يحاولن تخفيض السعر بحجة أنهن زوار.
يجذب لبنان العراقيين والعراقيات. فانهيار الليرة والاقتصاد حملهم إلى أجمل المناطق وأفخم الفنادق وأطيب المطاعم بأسعار يرونها أنها متهاودة. والعراقي في لبنان يعيش باذخاً ببضع مئات من الدولارات، تخوله الاستمتاع والاستجمام في لبنان المفلس وبيروت المفلسة.
فرح منصور – “المدن”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى