لن تنتهي القصة مع كوفيد- 19… فاستعدوا للآتي

“فيروس كتير صغير ركّع الدني”… والآتي، يقال، أعظم. فهل هي آخر الدنيا أم نحن في سياقٍ تاريخيٍّ تتجدد فيه الفيروسات التي تظهر، أو قد تظهر، كل حين لألفِ سببٍ وسبب؟ هل الله يُقاصص شعبه أم هو الشعب الذي لم يُحسن التعامل مع طبيعة خلقها الله؟ وهل يُمكننا، ونحن على عتبة 2021، ان ننسى كل النظريات عن مؤامرات حيكت تحت عنوان “كوفيد 19” طوال 2020 ونتابع العمر بلا شكوك؟

عبد الرحمن البزري، عيد عازار، جورج جوفلكيان، جاك مخباط، سليم أديب، عاصم عراجي، غسان دبيبو، روي نسناس… أسماء وأسماء لازمتنا، مثل الظل، في 2020، في سنة بتنا نتلمس فيها، في لبنان، خبراً يُثلج القلب القابع تحت ثقل الهموم على أنواعها وأتى كوفيد-19 ليُتوج كل الأزمات. فهل هي نهاية الدنيا؟ وماذا عن سيناريو الأيام الآتية مع الجائحة المتفلتة عالمياً؟ وهل يمكننا أن نعلن منذ اليوم أن العدّ العكسي لأفول الفيروس قد بدأ؟

بيل غيتس، كان أوّل من أنذر، عام 2015، بقدومِ فيروسٍ عالمي قد يتفشى ويخرج من تحت السيطرة، وها هو اليوم يُعلق في شكل متتالٍ على تطور اللقاح ويقول هذا صحّ وهذا خطأ. وهذا أخطأ وذاك غضّ النظر. وفي ظل كل ذلك هناك من يتحدث عن مؤامرة يُخطط لها غيتس لزرع شرائح ورقاقات صغيرة، عبر اللقاح، في البشر. المسائل إذاً تختلط ببعضِها بين هندسات يُقال عنها “مؤامراتية” وبين توجسات بحت شعبية.

بعيداً من المؤامرة والمتآمر، وعن التنبؤات المسبقة، هل من تنبؤات الى أفول الفيروس؟ بيل غيتس توقع في أحاديثه مدة أشهر أربعة أو خمسة مقبلة قاتمة، بسبب فصل الشتاء، لكن الحياة ستعود الى طبيعتها مع حلول الربيع المقبل والعمل باللقاح. وسيعود العالم رحباً في نهاية 2021. لكن، علينا أن ننظر جميعاً الى ما تعلمناه من هذا الوباء لأنه سيكون هناك وباء آخر قادم. وعلى إدارة بايدن القادمة أن توجد فريقاً من الخبراء، من 3000 خبير على الأقل، يعملون على الأمراض المعدية، كي يركزوا فوراً حين يلمحون وباء جديداً. هذا معناه، إذا صدق غيتس، أن علينا أن نبدأ بالتفكير الإيجابي الى أفول جائحة كوفيد-19، والتأهب لما قد يأتي بعدها.

الدكتور عبد الرحمن البزري، عضو اللجنة الوطنية للأمراض الجرثومية، يطمئن حيناً ويعود ليُنبّه حيناً آخر الى ما يجب وما لا يجب، ولا يملّ من التكرار. فالتكرار يُعلّم. وسنة 2020 كانت حافلة بأمورٍ جدّ بسيطة كان يفترض للكون كله أن يتعلمها من جديد: مثل غسيل اليدين! فهل توقع أحدنا ذلك في 2019؟ دعونا ننسى 2020 ونسأل عما ينتظرنا في 2021؟ يجيب الدكتور البزري: “العالم يستمر مضطرباً لكن تختلط على الكثيرين بعض التسميات، فهناك من يسمون التغيير الذي طرأ على كوفيد-19 بالسلالة الجديدة، لكن فلنُصحح الأمر ونسميه نسخة جديدة. فالفيروس يتكاثر ويعطي نسخات تتسبب بتعديل طبيعة الفيروس الموجود وبتغيير في البروتينات، التغيير إذاً منطقي جداً في علم الفيروسات لكن قد يحدث أن يتسبب بزيادة فعالية الفيروس. ويستطرد بالقول: هدف الفيروس المحافظة على جنسه وذلك بالتفتيش عن مضيف، والفيروس ذكي، من مصلحته ألاّ يقتل مضيفه – الإنسان خلال دورته الحياتية، لذا يظل يتطور من أجل الحفاظ على نفسه، متسبباً بأعراض تساعده على الإنتقال من مضيف الى مضيف، أي من إنسان الى إنسان، إما عبر الرذاذ أو الإسهال. لذا نتوقع أن نشاهد تعديلات فيروسية على كوفيد-19 لها مصلحة في أن تتسبب بعدوى أكثر وموت أقل.

الفيروس ذكي. فهل سيُمكننا الإنتصار على ذكائه من خلال اللقاحات التي أنجزت في فترات قياسية؟ ثمة أمرٌ يُشدد عليه البزري وهو أن العمل على اللقاحات المنجزة بدأ منذ أيام “السارس”، الذي أعدت الدراسات حوله، لكنه انتهى قبل الحاجة الى وجود لقاح له. ثم أتت متلازمة الشرق الأوسط التي تتسبب بها الجِمال وانطلقت الدراسات حولها لكن عدد الإصابات لم يُبرر وجود لقاحات. لذا، اليوم، مع تفشي كوفيد-19 تمّ الإنطلاق من تلك الدراسات، والعمل في شكلٍ متوازٍ بين مراحل ثلاث مطلوبة لتسريع ولادة اللقاح.

تنتهي 2020 وتولد 2021 والثابتة الجديدة أن العالم، ما بعد كورونا، لن يكون كما قبله. 50 في المئة من رحلات العمل التي كنا نراها من قبل ستختفي بعد كورونا. و30 في المئة من الوظائف المكتبية أيضاً ستختفي. والأمهات لن يعصرنّ أطفالهن بين أضلعهنّ كما من قبل خوفاً من أن ينقلن إليهم وباء ما. أمور كثيرة ستتغير.

لن يكون كوفيد-19 آخر حالة طوارئ صحية في العالم. هذا معناه ألا نكسر حالة الذعر التي نعيشها الآن بالنسيان بمجرد أن ينتهي الوباء. على “العالم” في 2021 أن يحث “العالم” على الجهوزية الدائمة والتأهب لأن كوفيد-19 الذي ألمّ بنا كلنا، في كل أصقاع الأرض، لن يكون الأخير.

وبينما اللقاح يجوب العالم حالياً من أجل احتواء كوفيد-19 هناك من يفكرون الآن بأن رقم 7,3 مليارات شخص يسكنون الأرض قد يُصبحون في 2050 أكثر من 10 مليارات شخص. فأين يسكنون؟ ومن أين يأكلون؟ أرقام يراها علماء الفيروسات مخيفة. فكلما ارتفع عدد سكان الأرض ارتدّ هذا سلباً على المناخ والتحضر والتنوع البيولوجي وبالتالي على عودة ظهور أمراض وفيروسات جديدة. العالم إذاً، يجب أن يستمر يقظاً، متأهباً، للمواجهة مع يقين الكثيرين أن الفيروسات تستمر في “مفاجأة” العالم.

منع ظهور جائحات جديدة لن يكون إلا من خلال حماية الطبيعة. خطر تفشي الأوبئة يتزايد بسرعة وأكثر من 70 في المئة من الأمراض الناشئة حيوانية المصدر. ويُقال ان هناك أكثر من 580 ألف فيروس غير مكتشف تحملها الحيوانات ولديها القدرة على إصابة البشر. في كل حال، العالم الطبي اليوم يضع الكثير من السيناريوات المقبلة والتوقعات الصحية القصيرة والطويلة الأجل، وهناك دراسات تجزم حول أمرين: أولاً، أن كوفيد-19 موجود ليبقى وعليهم بالتالي أن يطوروا مناعة ذاتية دائمة ضدّ الفيروس. وثانياً، أن المستقبل مجهول. والحلّ؟ أن يخطط العالم الى ما بعد 2020. لكن، هل سيفعل هذا حقاً؟ بعد تراجع جائحة فيروس إيبولا فكر كثيرون في أنهم أساؤوا التعامل مع هذه الأزمة ودعوا الى الإستعداد في شكلٍ أفضل الى الوباء العالمي المقبل، لكنهم، للأسف، لم يفعلوا. وبعد إيبولا، فكّر العالم بعد تفشي فيروس أتش1 أن1 عام 2009 بوجوب الإستعداد الى الوباء الآخر الآتي لكنه أيضاً لم يفعل. وفي العام 2005، في أعقاب جائحة المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة – السارس قيل ما قيل ايضاً ولم يتحقق أي شيء. لكننا اليوم أمام جائحة لم تستثن أحداً. فهل شعر من بيدهم القرار في العالم بهول ما حصل أم أن النسيان سيعود ويغلب؟

قبل ان تسقط آخر أوراق روزنامة 2020 هناك كثيرون يصرون على تذكيرنا ان علينا ان نستعد الى الأوبئة، الى ما بعد كوفيد-19، كما نستعدّ للحروب. فما رأي أستاذ مادة الوبائيات وطب المجتمع في الجامعة اللبنانية في بيروت الدكتور سليم أديب؟ يجيب: “تُبدل الفيروسات شكلها المناعي في شكل طبيعي طوال الوقت. والعالم يستعدّ سنوياً الى إعداد لقاح لإنفلونزا يعرفها على سبيل المثال، لكن حين يتغير الفيروس في شكل غير محسوب تقع المشكلة. اليوم بدّل كورونا من جلده لكن لم يثبت ان اللقاح الجديد لا يغطي التغيير الذي طرأ عليه. أما لماذا تنتشر الأوبئة العالمية فذلك بسبب التغيير الاقتصادي والإجتماعي والحضري المتأثر بظاهرة العولمة. فحين كانت تحدث طفرة ما في ضيعة ما بعيدة نائية كان يدفع ثمنها أهل الضيعة الصغيرة في العالم الكبير، أما اليوم فتحصل في مدن تضم ملايين البشر ويقصدها ملايين آخرون، فباتت بدل ان تؤثر على مئتي شخص فقط تؤثر على ملايين.

العالم أصبح ضيعة والضيعة باتت مفتوحة على العالم. والطاعون الذي استغرق انتقاله في القرون الوسطى بين روسيا ولندن خمسة أعوام انتقل اليوم في أقل من خمسة أيام من هونغ كونغ الى فانكوفر وصولاً الى بوردو الفرنسية. ونسخة كوفيد-19 لا يعوزها كي تنتقل من لندن الى بيروت سوى أقل من خمس ساعات في الطائرة.

الوباء ينطفئ بسبب إنتاج المناعة الجماعية. لكن، ما أن نعتقد أننا تغلبنا على وباء حتى يظهر آخر. لكن، ما حصل اليوم، أن الوباء الجديد بدّل في كل المفاهيم القديمة وأسس لقيم جديدة. هذه القيم ستتمظهر أكثر في 2021.

اللقاح يصل الى لبنان في الأسبوع الأول أو الثاني، على أبعد تقدير، من الشهر الثاني من سنة 2021. وهو قد يقوّض مع حلول الربيع الفيروس المتفشي ولكن، لن ينام العالم بعد اليوم على حرير. فالأرض ستكون على موعد آخر، في وقت آخر، مع فيروسات ستكون ربما أشد فتكاً. إنها ضريبة الأرض على الإنسان.

أغلقوا عيناً وافتحوا أخرى ونكون قد دخلنا سنة 2021 وحينها افتحوا العينين جيداً فالعالم تغيّر والأوبئة لن تنتهي. اللهمّ أن تكون الأرض هذه المرة قد تعلمت من تجاربها في التأهب الدائم لمواجهة الغد الآتي.

المصدر : نداء الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!