قراءة في الجريمة بين عامي 2019 و 2020
صدى وادي التيم – أمن وقضاء/
جريمتان متتاليتان هزتا الرأي العام اللبناني في غضون أسبوع، واحدة استهدفت العقيد المتقاعد في الجمارك منير ابو رجيلي، وهو من بلدة قرطبا، وثانية طالت المصوّر الصحافي جوزيف بجاني في بلدة الكحالة، وهو يعمل في شركة اتصالات وفي مجال التصوير، وقد ظهر في الفيديو أن المجرمين فتشا سيارته بعد إرتكابهما جريمتهما بدمّ بارد، قبل أن يلوذا بالفرار.
لن تقفل سنة 2020 أبوابها إلا بأرقام قياسية في كل شيء؛ فبعد الانهيارات المتعددة التي سجلت في هذه السنة، ها هي تسجل ارتفاعًا كبيرِا في جميع أنواع الجرائم، الأمر الذي يدفعنا الى طرح العديد من الأسئلة وفي مقدمها هل ستكون الجريمة في السنة الجديدة أقل من السابقة؟ أم ستبقى الظروف على ما هي عليه وبالتالي سنشهد تطورًا أسوأ على هذا الصعيد؟
لن يكون في متناول المتخصصين تقدير ما سيطرأ على الجريمة ومآلاتها في المستقبل، في ظل زيادة معدلات البطالة جراء انسحاب الكثير من المؤسسات من سوق العمل ودخول شرائح اجتماعية جديدة على الفئات الاكثر فقرًا، واستقالة الدولة من مهامها في رعاية شعبها وتوفير الظروف المناسبة لعجلة الاقتصاد التي أكلها الصدأ السياسي في البلاد. لذلك من المهم التنبه للمشهدين السياسي والاقتصادي وتأثيرهما في تقلب عالم الجريمة من حالٍ الى حال، حيث أن جميع المؤشرات الرقمية تشي بأن الجريمة مستمرة في طريقٍ تصاعدي مقلق يستدعي حذر نوعي واستثنائي للقوى الأمنية والمواطنين لتجنب وقوع الأخيرين وأملاكهم فريسة المرتكبين.
هذه قراءة مفصلة لارقام الجرائم في لبنان قبل من نهاية هذا العام، أي أننا سنجري مقارنة غير متساوية لجهة عدد الأشهر، فسنقيم الدراسة على سنة 2019 كاملة في حين تنقص سنة 2020 أرقام شهر كانون أول. وقد تبين أن كل الأرقام تقريبًا، شهدت ارتفاعًا ملحوظًا وبالتالي فإن ما سيسجله شهر ١٢ لن يكون مؤثرًا لجهة القراءة التي أجريناها. فماذا في الأرقام والنُسب المؤية؟
١- القتل
شهدت جريمة القتل ارتفاعاً كبيراً وملحوظًا فاق معظم السنوات السابقة وليس سنة 2019 فحسب. فقد سجل في أحد عشر شهرا وقوع 171 جريمة بمعدل شهري بلغ 18 جريمة، في مقابل 100 جريمة سنة 2019، أي بمعدل شهري بلغ 9 جرائم. فتكون الزيادة السنوية 71 جريمة قتل، أي بارتفاع نسبته 71 بالمئة. وتبين أن معظم مرتكبي الجرائم هم أما من أصحاب السوابق أو مرضى نفسيين أو من المدمنين، وكان لافتًا هذه السنة وقوع جرائم قتل طالت عدة أشخاص في جريمة واحدة مركبة.
٢-سرقة السيارات
بلغ عدد السيارات المسروقة في العام 2019، 514 سرقة، قابله في هذه السنة سرقة 934 سيارة، أي بزيادة بلغت 420 سيارة؛ ففي حين بلغ المعدل الشهري لسنة 2019 43 عملية سرقة، فإن المعدل الشهري لسنة 2020، 85 سرقة. أي بارتفاع وصل الى حدود 82 بالمئة. يتضح من ذلك، أنه وبالرغم من كل الظروف التي مرت وتمر على لبنان وبخاصة لجهة جائحة كورونا وتسكير البلد لعدة أشهر، فإن عصابات سرقة السيارات زادت من وتيرة جريمتها وتمادت فيها أكثر. واللافت في هذا الأمر، بحسب عدة مصادر متطابقة، أن معظم السيّارات التي تُسرق، يقوم السارقون بتهريبها الى خارج البلاد بطريقة غير شرعية، ومن معابر سرّية، وبيعها بأقل من أثمانها بطبيعة الحال.
٣- سلب السيارات
امّا بالنسبة إلى سلب السيّارات، فقد جرى سلب 44 سيّارة في سنة 2019، في حين سجّل سلب 72 سيّارة في سنة 2020، بزيادة نسبتها حوالي 63 في المئة. وبينما بلغ المعدل الشهري لسنة 2019، 4 عمليات سلب، فقد قابلها 7 عمليات شهريًا لسنة 2020.
4- السرقة
في ما يتعلق بالسرقات الموصوفة التي تستهدف عادةً المنازل، والمحالّ التجارية، والصيدليات وغيرها، فقد بلغت سنة 2019، 1610 عمليات، أي بمعدل شهري لامس الـ 134 عملية، ليقابلها في هذه السنة 2252 عملية، بمعدل 205 سرقات شهريًا، بزيادة بلغت نسبتها 39 في المئة. وفي هذا السياق أعادت مصادر مطلعة هذا الارتفاع في السرقات الى عدة أسباب أهمها: حالة العوز التي تتفاقم بشكل كبير جدًا بين أوساط العائلات وتمددها الى ما كان يعرف بالعائلات الميسورة. يضاف الى ذلك أن عصابات السرقة نشطت بشكل واسع بعد الانفحار / الزلزال الذي دمر مرفأ بيروت وقسم كبير من أحيائها. فجميع المعطيات والتقارير تحدثت عن تعرض منازل ومحال تجارية تضررت من الانفحار، للسرقة من قبل أشخاص استغلوا حالة الفوضى التي أعقبت الانفجار والمساحات الواسعة التي طالها عصفه. وقد زاد عدد الموقوفين على ذمة التحقيق في جرائم سرقة في بيروت، بعد الانفجار، على مئتي شخص، معظمهم من الشباب.
٥- الانتحار
الأمر الايجابي الذي يسجل لسنة 2020 هو تراجع حوادث الانتحار لتأخذ معدلها السنوي ما قبل عام 2019. فهذه الأخيرة شهدت وقوع 172 عملية انتحار، بمعدل شهري بلغ 14 عملية. متفوقة على السنوات 2016 و 2017 و 2018.
بينما سجل حتى نهاية شهر تشرين الثاني من هذه السنة حصول 136 عملية انتحار. بمعدل شهري بلغ 12 عملية. أي بتراجع بلغ 20 بالمئة عن سنة 2019.
المعالجة النفسية الاستاذة لما أمهز جوليان رأت أن الانتحار هو حالة نفسية هروبية ينتج عنها عدوانية موجهة نحو الذات.
وإذا أردنا تقصي الحقائق الكامنة وراء عودة المعدل الى مستواه السابق، نجد ان هناك عدة عوامل مؤثرة على نفسية الفرد قد تلعب دوراً مهما في عدم القابلية للانتحار وهي:
• تشكل جائحة كورونا والانهيار الاقتصادي الحالي تهديداً مباشراً للفرد والمجتمع؛ أي انها عدوانية خارجية ضده، فانعكست في تعزيز غريزة البقاء لديه، كاستجابة طبيعية ضد المخاطر المحيطة به.
• ساعد الحجر المنزلي على توطيد العلاقات العائلية بشكل أفضل مما شكل ملجئًا عاطفياً يرتكز عليه الفرد في مواجهته الصعاب.
• في ظل الانهيار الاقتصادي لم يعد الفرد يشعر بالنقص والعجز والدونية، حيث وجد ان هناك الكثير من أبناء المجتمع يشاركونه هذه المصائب ولم يعد يعتبرها مسألة ذاتية معيبة بحق ذاته، اذ يجد فيها بعض من العدل حتى لو كان سلبيًا.
• هجرة الشباب والعائلات والأشخاص الذين استطاعوا إليها سبيلا، الأمر الذي خفف من حدة الاحتقان وبخاصةٍ عند الشباب.
• ارتفاع معدل الجرائم والسرقات وهو نوع آخر من العدوانية، ورغم سلبيته الا انه يخفف من الاحتقان الذاتي كونه يعبر عن عدائية نحو الآخرين وليس نحو الذات.
• الصدمة التي عاشها اللبنانيون بعد انفجار المرفأ، كانت مثالاً حيًا على العدوانية البشرية. حيث يصبح الموت انتحارًا خسارةً بلا فائدة، إذ لا يتمكن المنتحر من إيصال أي رسالة الى الأحياء .
• ساعد الدعم النفسي الذي قدم من الجمعيات والافراد في خلال جائحة الكورونا ومن بعد انفجار المرفأ، الكثير من الأفراد في التعبير عن مكنوناتهم وتخفيض مستوى العدوانية لديهم.
• ساعدت انتفاضة 17 تشرين، الافراد وتحديدًا المراهقين والشباب منهم، على التعبير وتشكيل تجمعات تشبههم يشعرون من خلالها بالقوة والقدرة على تغيير الواقع، مما جعلهم يشعرون بقيمتهم الذاتية واكتشافهم لأهمية دورهم الاجتماعي.
٦- حوادث النشل
من ايجابيات هذا العام التراجع اللافت في عمليات النشل. فقد سجلت سنة 2019، وقوع 678 عملية نشل بمعدل شهري بلغ 56 عملية.
بينما لغاية شهر تشرين الثاني من العام الحالي وقع 447 عملية، بمعدل شهري بلغ 41 عملية. لتصل نسبة الانخفاض العام الى حوالي 35 بالمئة. الأمر الذي رأت فيه مصادر أمنية مؤشرًا ايجابيًا، معتبرةً أن لتداعيات وظروف جائحة كورونا دورًا في تحقيق هذا الانخفاض.
يرتكب النشالون جريمتهم عبر استخدام دراجة آلية يقودها شخص يركب خلفه شريكه؛ فيعمد هذا الأخير الى سحب حقيبة اليد التي تحملها السيدات في أثناء مرورهن على الأرصفة، أو يقوم بنشل الحقائب أو أي سلعة مهمة يضعها السائقون على المقعد بجانبهم. وهنا لا بد من لفت انتباه المواطنين الى مسألتين لطالما تشدد القوى الأمنية في بلاغاتها على التقيد بهما؛ الأولى أن تضع السيدة حقيبة يدها في كتفها الأيمن الموازي للأبنية التي تسير بقربها. والثانية عدم ترك السائقين أي سلعة على مقاعد السيارة مكشوفة وواضحة للنشالين. وذلك بغية جعل مهمة النشالين صعبة التحقق وبعيدة المنال. الجدير ذكره أن السيدات هن الأكثر عرضةً لعمليات النشل.
٧- السلب
ايضًا ارتفعت عمليات السلب، حيث سجل وقوع 247 عملية سنة 2019 بمعدل شهري بلغ 21 عملية. قابلها وقوع 556 عملية في 2020 بمعدل شهري بلغ 51 عملية. أي أن عمليات السلب ارتفعت بما نسبته 125 بالمئة.
يقوم بعمليات السلب عادةً أشخاص مسلحون بالسلاح أو أي آلة حادة بحوزتهم، حيث يشهرون سلاحهم بوجه الضحية ويرغمونه على إعطائهم الأموال التي بحوزته وكل ما يجد فيه السالبون غنيمة مربحة لهم. وأي تمنع من قبل الضحية قد يعرض حياته وصحته للخطر ولا سيما أن غالبية السالبين هم من أصحاب السوابق والمدمنين على المخدرات.
٨- حوادث السير
تراجعت حوادث السير بشكل كبير ولافت؛ ووفر لبنان أرواحًا جديدة لم تذهب موتًا على الطرقات. لقد وقع سنة 2019 4583 حادث سير نتج عنها مقتل 487 شخصًا واصابة 6610 آخرين بجروح. هذا الرقم حتى شهر تشرين الثاني تراجع مسجلاً 3017 حادثًا تسبب بمقتل 389 شخصًا وإصابة 3997 آخرين بجروح. وهكذا هبطت حوادث السير بنسبة 34 بالمئة، فتراجع عدد قتلاها بنسبة 20 بالمئة وجرحاها بنسبة 35 بالمئة.
إنّ الزيادة التي سجلت في غالبية الجرائم المرتكبة بحسب الاحصاءات التي أوردناها تطرح الكثير من الأسئلة والهواجس، وتضع الطبقة السياسية برمتها، أمام تحديات جدية لجهة قراءة واقع البلاد والعباد معًا، والبحث عن حلول سياسية تضع حدًا للمماحكات غير المجدية، ولا تبقى تنتظر – الطبقة السياسية -على قارعة الخارج إملاءاته التي يحاول فرضها بحسب مصالحه.