ثورة الدانتيل”.. والإنتحار الجماعي! بقلم سامي كليب
صدى وادي التيم – لبنانيات/
كلما لاح أملٌ قتله الساسة في لبنان. لم تمض 24 ساعة على تبشير الرئيس المكلّف سعد الحريري باحتمال الخروج بـ”صيغة حكومية قبل الميلاد”، حتى خرج هو نفسه اليوم (الأربعاء) بعد لقاء هو الرابع عشر بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون، بوجه عابس يعكس تشاؤم وتعقيدات التفاوض، ويرجىء الأمل الى ما بعد رأس السنة!
هي الطائفية وتوزيعاتها الوزارية السطحية تتقدم على عذاب الشعب وفقره وذله وضياعه وقلقه والمصير القاتم لما بقي من دولة. لا توجد مشكلة داخلية سوى في المحاصصة الطائفية التي يغلفونها بذاك الشعار الساذج :”حكومة اختصاصيين”. لا بأس ان يستمر الانهيار، ويزداد الفقر، ويطير الدولار، وتنهار العملة الوطنية، وتتعدد عمليات السطو والقتل في وضح النهار (إحصاءات قوى الأمن السنوية تشير إلى أرقام مضاعفة لجرائم السرقة والقتل والنشل). لا بأس ان يفقد لبنان موقعه المصرفي والمالي والسياحي والخدماتي والاعلامي. فالأهم هو أن يكون هذا الوزير مسيحيا، وذاك، شيعيا، أو سنيا أو درزيا…الخ. سيموت الشعب وينتهي الوطن. لا بأس، المهم ان تبقى الطوائف مزدهرة.
مسؤول فرنسي: ماذا تفعل ثورة الدانتيل؟ لماذا لا يتحرك رجال ونساء الاعمال اللبنانيون والتجار ليقولوا، لم نعد نحتمل؟”، من كان يظن ان الذكرى الاولى لانتفاضة الكرامة الاولى في لبنان ستمر وكأن شيئا لم يكن
هذه هي حدود الفكر الخلاّق عند السياسيين، لمواجهة تحديات العصر. لا تطلبوا منهم أكثر، فهذا فقط ما تدربوا عليه وبرعوا فيه: المحاصصة الطائفية. لكن الأنكى منهم، هم السائرون خلفهم الى مذابحهم الحتمية. يصفقون ويدافعون ويستميتون لأجلهم ويبنون الحصون حولهم. فكيف لا يتساءل مسؤول فرنسي عما يفعله الناس والمجتمع المدني والتجّار المتضررون والموظفون الذين فقدت رواتبهم قيمتها؟ كيف لا يقول بسخرية وعتب :”ماذا تفعل ثورة الدانتيل؟ لماذا لا يتحرك رجال ونساء الاعمال اللبنانيون والتجار ليقولوا، لم نعد نحتمل؟”، من كان يظن ان الذكرى الاولى لانتفاضة الكرامة الاولى في لبنان ستمر وكأن شيئا لم يكن.
لقد بات واضحا ان عقم وضحالة الفكر السياسي في الداخل لن يُنتجا حلّا لبلد نخرته الطائفية حتى العظم منذ استقلاله الى اليوم. وبات واضحا كذلك ان الحلول الخارجية لن تأتي، لأن اتجاهات الصراع بين المحاور لم تتبلور بعد، فثمن فتحُ الخزائن الغربية مشروط باقفال خزائن ومخازن حزب الله وبالانخراط جديا في عصر التطبيع. وهذا يضع لبنان أمام عقدة كأداء لا حل لها، ذلك ان للحزب قدراته القتالية العالية وجمهوره وشعبيته ومحوره، وعنده بالمقابل خصوم في الداخل فاعلون في تسليط الضوء عليه، وعاجزون عن القيام بأكثر من تسليط هذا الضوء.
لا حل قريبا ولا انقاذ يأتي من الخارج ولا وجود لرغبة بالتنازلات عند أحد قبل اقل من عامين على الانتخابات الرئاسية اللبنانية. ستراوح الطبقة السياسية في مكانها الطائفي حتى اشعار آخر. وهذا الاشعار مرهون بحرب واسعة او صفقة واسعة، وفي حالتي الحرب او الصفقة سيكون لبنان احدى ساحات الاستهداف. فالحرب مدمّرة، والصفقة ستكون لأجل طرف على حساب الآخرين. لا فرق بين هذا الطرف او ذاك عند الخارج اذا ضمن مصالحه.
هنا يتكرر السؤال تماما كما قاله المسؤول الفرنسي:”ماذا يفعل الناس؟”. هم وحدهم قادرون على تغيير المعادلة، فقط حين يدركون مدى الظلم اللاحق بهم، ويتصرفون مع ساستهم على هذا الاساس بعيدا عن التبعية والطائفية والمذهبية ويضعون برنامجا انقاذيا جاذبا لأكبر قطاعات واسعة من الشعب، وغير مرتهن لأحد داخليا او خارجيا. غير ذلك، فهو انتحار جماعي، ليس أكثر.