في حال جمد التحقيق…الإنفجار الشعبي سيحصل عندها ولن يتمكن أي مسؤول أو أي رئيس دولة أجنبية من تهدئة الشارع (الديار)
كتبت “الديار” تقول: المشهد السياسي اصبح اكثر تلبدا وتوترا في ضوء تداعيات قرار القاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت حيث اعتبرت خطوة غير مدروسة وتخفي كيدية سياسية، في حين كشفت مصادر ديبلوماسية للديار ان قرار الادعاء يعكس تقاطع مصالح بين القوى السياسية بما ان اتهام رئيس حكومة لن يمر مرور الكرام، وسيؤدي الى تجميد التحقيق. ذلك ان الرئيس المكلف سعد الحريري زار السراي امس متضامنا مع دياب ومحذرا من نتائج هذا السلوك. كما صدرت مواقف مماثلة لمفتي الجمهورية ولرؤساء حكومات سابقين وفاعليات اخرى. كذلك كان رد الاطراف الاخرى التي شملها القرار مماثلا لجهة التأكيد على تجاوز القرار للاصول الدستورية لان الرؤساء والوزراء يحاكمون امام مجلس محاكمة الوزراء والرؤساء.
والسؤال الذي يطرح نفسه : ماذا بعد هذا الاصطفاف السني وراء دياب؟ هل سيفرمل ذلك التحقيق في انفجار مرفأ بيروت؟ ذلك ان المعلومات تقول ان يوم الاثنين المقبل سيكون موعد مثول المدعى عليهم امام القاضي صوان، ولكن على الارجح ان ايا منهم لن يمثل، وبالتالي هنا سيضطر قاضي التحقيق بموجب الاجراءات القانونية اللبنانية، اما الى تبلغيهم بموعد جديد للحضور وإما اصدار مذكرات جلب والطلب من القوى الامنية احضارهم مخفورين امامه. وهذا الامر شبه مستحيل في لبنان لعدة اعتبارات، فهل سيتنحى عندئذ القاضي فادي صوان، ويصبح ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت مجمداً الى حين؟
في حال جمد التحقيق، توقعت اوساط سياسية ان الانفجار الشعبي الذي كان سيحصل في 6 آب بعد وقوع انفجار مرفأ بيروت، انما لم يحصل بسبب زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي تمكن من امتصاص غضب الناس، سيحصل اليوم ولن يتمكن اي مسؤول لبناني او غربي او اي رئيس دولة اجنبية من تهدئة الشارع، وبخاصة اهالي الشهداء.
اما في الملف الحكومي، فقد فشل الرئيسان عون والحريري في التوصل الى تفاهم على صيغة حكومية رغم ان البلد على حافة الهاوية والناس جوعى وفقيرة ومقهورة. وقالت مصادر مطلعة للديار ان هناك مسافة وفرقا كبيرا في التشكيلة التي قدمها الحريري والطرح الذي سلمه اياه رئيس الجمهورية في موضوع الاسماء وتوزيع الحقائب وفي حجم التثميل ايضا. وفي ظل الزوبعة التي احدثها قرار القاضي صوان لم يطرأ اي جديد على الموضوع الحكومي، لا بل ان المواقف السياسية عكست ازمة ثقة بين الاطراف المعنية ومن ضمنهم الرئيسان عون والحريري.
هذا الامر يشير الى ان الامور ستبقى على حالها ولن يحصل اي خرق للازمة الحكومية قبل زيارة الرئيس الفرنسي المرتقبة في 21 كانون الاول الجاري الى لبنان.
عدة وجهات نظر وراء قرار القاضي صوان في تحقيق انفجار المرفأ
بداية وفي نطاق القرار الذي اتخذه القاضي فادي صوان، فقد قالت اوساط سياسية مطلعة للديار ان هناك ثلاث وجهات نظر تقف وراء الادعاءات الاخيرة. وجهة النظر الاولى تقول ان المحقق العدلي القاضي صوان المنهمك في ملف انفجار مرفأ بيروت وبعد ضغط الرأي العام لعدم اصداره القرار الظني وبخاصة اهالي الشهداء وقيام البعض بتخوينه واتهامه بمحاولة تمييع التحقيق، دفعه الى اتخاذ خطوة غير مدروسة وعشوائية. والحال ان صوان كان قد ارسل الى مجلس النواب رسالة يطلب فيها فعليا الغطاء السياسي لقراراته، وجاء الرد عبر هيئة مكتب المجلس انه لا توجد قرائن لاتهام رؤساء حكومات سابقين ووزراء اشار اليهم القاضي صوان في رسالته. فهل كان على القاضي ان يأخذ بعين الاعتبار الحساسيات القائمة قبل ان يصدر قراره ويدعي على رئيس مجلس الوزراء ؟ ذلك ان ادعاءه على رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب اثار حساسية الطائفة السنية، فقد زار الحريري الرئيس المكلف دياب في السراي ليعلن تضامنه، فضلا عن تنديد كل رؤساء الحكومات السابقة بالقرار الاتهامي لصوان معتبرين انه استهداف لموقع رئاسة مجلس الوزراء. كما ادعاء القاضي صوان على وزراء من 8 اذار فرضت عليهم عقوبات اميركية بتهمة الفساد وهما علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، يشكل خطورة في المسار القضائي، ذلك انه يندرج في خانة التأكيد على وجهة النظر الاميركية في اتهامهم بالفساد.
اضف الى ذلك، استثنى القاضي الادعاء على وزراء العدل، من بينهم الوزير السابق سليم جريصاتي المقرب من رئيس الجمهورية، الامر الذي اشعل الحساسية في الشارع السني وايضا الشيعي. وبهذه الادعاءات فتح القاضي صوان جبهتين عليه : الجبهة السنية وجبهة الثنائي الشيعي. ذلك ان الثنائي الشيعي اعتبر ان الادعاء فقط على الرئيس حسان دياب دون ان يشمل ذلك الادعاء على الرئيس سعد الحريري ونجيب ميقاتي وتمام سلام، لا يترجم الا انه قرار كيدي سياسي.
والنظرية الثانية تقول ان القاضي صوان لا يأخذ بعين الاعتبار المناخ السياسي في البلد، وهو يقوم بواجبه المهني ويعتبر ان التحقيق مفتوح وان كل شيء سيتم في وقته. وعليه، يعتبر المحقق العدلي ان ما حصل هو تحميل لقرار الادعاء اكثر مما يحتمل وان المسالة طبيعية بما انه يقوم بعمله.
ووجهة النظر الثانية وفقا للاوساط السياسية تقول ان القاضي صوان لا يأخذ بعين الاعتبار المناخ السياسي في البلد، وهو يقوم بواجبه المهني ويعتبر ان التحقيق مفتوح وان كل شيء سيتم في وقته. وعليه، يعتبر المحقق العدلي القاضي صوان ان ما حصل هو تحميل لقرار الادعاء اكثر مما يحتمل وان المسألة طبيعية بما انه يقوم بعمله. ذلك ان التحقيق لا يزال في بدايته ولم يختم بعد، وهذا يشير الى ان الادعاءات التي اتخذت منذ يومين لن تكون الاخيرة.
اما وجهة النظر الثالثة فتقوم على ان هناك من اوقع بالقاضي صوان في الذهاب في اتجاه الادعاء على رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب وباقي الوزراء المدعى عليهم بهدف تطيير المحاكمة وتجميد الملف وتمييعه وطويه. والحال ان الجهة التي نصحت المحقق العدلي، وفقا للاوساط السياسية، باصدار قراره، تعلم مسبقا ان الادعاء على دياب سيؤدي الى موقف موحد سني، وبالتالي سيعطل مجرى التحقيق. وعليه، هذه النصيحة كانت فخا للقاضي صوان، اذ بات واضحا ان ما حصل اليوم يكشف انه ارتد ايجابا على القوى السياسية المتناوبة في المسؤولية. وبمعنى اخر، ظهر ان هناك تقاطع مصالح بين القوى السياسية، خاصة ان الجميع كان على دراية بوجود الامونيوم نيترات في المرفأ.
الرئيس الحريري قدم تشكيلته بطلب فرنسي
وعلى صعيد تشكيل الحكومة، كشفت مصادر مطلعة للديار ان الرئيس الحريري لم يقدم تشكيلته الحكومية في هذا التوقيت بالذات لاعتبارات محلية، بل بطلب فرنسي ودعم مصري حيث ان الرئيس ايمانويل ماكرون الذي يزور لبنان في 21 من الشهر الجاري يريد فعلا ان تتوج زيارته بتشكيل حكومة. وتابعت هذه المصادر ان الرئيس ماكرون اخذ على عاتقه، بالتنسيق مع الرئيس المصري السيسي، حل العقد الخارجية على خطين. الخط الاول يتولاه ماكرون بتعاطيه مع الولايات المتحدة وايران والخط الثاني يتولاه السيسي بالتواصل مع المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج. وكل هذه الجهود تصب في خانة اعطاء فرصة للحكومة المرتقبة بقيادة الحريري بعيدا عن اي عقوبات وضغوطات تؤدي الى تحجيمها او عزلها. وفي الداخل اللبناني، اشارت المصادر المطلعة الى ان باريس والقاهرة ستعملان على الضغط والدفع نحو التسريع في ولادة الحكومة. ذلك ان التشكيلة التي قدمها الحريري غير استفزازية لرئيس الجمهورية، فهناك ملاحظات على بعض الاسماء الواردة في الصيغة الحكومية، انما القطبة المخفية التي تعرقل تأليف الحكومة هي حجم التمثيل للعهد والتيار الوطني الحر، اي حصولهم على الثلث المعطل، وهو امر يرفضه الحريري. وعليه، عندما قدم الحريري صيغته اراد وضع الجميع امام الامر الواقع وارضية للتفاوض عليها.
واضافت هذه المصادر ان الرئيس الفرنسي يريد ان يحصر العقبات ونقاط الخلاف والعمل على تذليلها بحيث يكون النقاش انتقل من الكلام النظري الى الفعلي، وبالتالي تصبح ولادة الحكومة امرا سهلا. وهنا، هل سينجح ماكرون في حل الخلاف اللبناني؟ الاسابيع المقبلة ستحمل الجواب، علما انها الفرصة الاخيرة للبنان قبل الانهيار الشامل.
مصادر مقربة من قصر بعبدا : الرئيس عون يريد حكومة متكافئة
من جهتها، كشفت مصادر مقربة من قصر بعبدا ان الرئيس عون اعتبر ان الصيغة الحكومية التي قدمها الرئيس المكلف سعد الحريري غير عادلة لجهة توزيع الحقائب على الطوائف، اضافة الى ان الحريري لم يتشاور مع رؤساء الكتل النيابية في التشكيلة، الامر الذي سيخلق مشكلة في المجلس النيابي عند طرح الحكومة للثقة. وبناء على ذلك، قدم رئيس الجمهورية طرحاً حكومياً للحريري تضمن توزيعاً عادلاً للحقائب الوزارية على جميع الطوائف. ذلك ان الرئيس عون يريد حكومة متجانسة ومتكافئة لتتمكن من القيام بعملها. توزيع الحقائب على الطوائف على تركيبة الحكومة هي التي تعطي الحكومة الصدقية والزخم وتؤمن تعاون الجميع معها، وقدم الرئيس عون طرحاً مبنياً على توازن في توزيع الحقائب على الطوائف.
والتشكيلة التي قدمها الحريري لا تراعي المعايير المتوازنة والسليمة، فهي لن تكون قادرة على القيام بعملها الاصلاحي. ومن باب حرص رئيس الجمهورية على مصلحة الناس التي يهمها النتيجة الجيدة في نهاية المطاف في تشكيل حكومة فعالة وليس فقط اي حكومة، يعتمد الرئيس عون موقفاً واضحاً من ناحية التمسك بوحدة المعايير لولادة حكومة منتجة قادرة على مجاراة تطلعات المواطن اللبناني.
وفي سياق متصل، تقول مصادر مطلعة للديار ان الرئيس ميشال عون، ووفقا للدستور، لديه الحق في تأليف الحكومة مع الرئيس سعد الحريري وليس فقط على صعيد الاسماء المسيحية بل كل الاسماء الواردة في الصيغة الحكومية. ولكن الخلاف اليوم هو على الحصة المسيحية حيث اعترض عون بشدة على اسماء المسيحيين بما ان التشكيلة ضمت ممثلاً للقومي مسيحياً وواحداً للمردة وآخر للطاشناق بينما الحريري سمى العميد نقولا الهبر وزيرا للداخلية ووليد طحينة للثقافة وجو الصدّي للطاقة.
الى ذلك، قالت اوساط وزارية بارزة في 8 اذار للديار ان رئيس التيار الوطني الحر، بعد فرض العقوبات الاميركية عليه، اضحى يتعامل على قاعدة “عليّ واعدائي”، ولذلك تم زج اسم رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب على اساس انه كان متعاونا الى اقصى حدود مع العهد والوطني الحر، ورغم ذلك ادعى عليه القاضي صوان. ويراد من ذلك ان يكون دياب “كبش فداء” في خطة باسيل للمضي في محاربة اخصامه السياسيين عبر فتح ملفات الفساد.
ولفتت هذه الاوساط الى ان الرئيس نبيه بري يعارض ما صدر بشدة ويعتبر ان ما يجري حملة منظمة على حركة امل باتهام غازي زعيتر وعلي حسن خليل وعليه شخصيا، وسيقدم كل الدلائل التي تدحض هذه الاتهامات.
وذكرت الاوساط البارزة في 8 اذار ان تيار المردة سيرد ايضا على ادعاءات القاضي صوان، علما انه لم يصدر اي شيء عن الوزير فنيانوس حتى الان.
على الصعيد الاقتصادي، قال الخبير الاقتصادي سامي نادر للديار ان لبنان سيدخل الخط الاحمر اجتماعيا وامنيا عند رفع الدعم. واشار الى ان اليوم لبنان في مرحلة التضخم الهائل والمتسارع، اضافة الى فقدان الليرة اللبنانية 90% من قيمتها، اما يوم يرفع الدعم فالاسعار “ستشتعل” وليس فقط المواد التي كانت مدعومة بل ايضا باقي المواد الغذائية. واعتبر ان الانفجار الاجتماعي قريب لافتا الى ان لبنان سيكون في حالة البؤس، وهذا سيؤدي الى شغب اجتماعي اضراره كبيرة.
واضاف الخبير الاقتصادي نادر ان الحل يكمن في الذهاب الى صندوق النقد للقيام بثلاث ورشات اصلاحية. اول ورشة تكون في المالية العامة وفي الكهرباء وفي انظمة التقاعد، ثم ورشة في جدول الدين واصلاح القطاع المصرفي، والورشة الثالثة في تحصين استقلالية مصرف لبنان عبر سياسته النقدية التي يجب الا تكون مكشوفة ولا تتدخل فيها السلطة التنفيذية. واضاف ان مصرف لبنان عليه حماية القدرة الشرائية للمواطن، وذلك يكون عبر الاستقلالية التامة عن السلطة التنفيذية.
(الديار)