هل يبتلع الفساد مليارات “سيدر1” ؟
ما يزيد عن أحد عشر مليار دولار حصل عليها لبنان كقروض وهبات مشروطة بإصلاحات، وهنا بيت القصيد، فأي إصلاحات تلك التي ستعمل السلطة السياسية على تطبيقها وفق قواعد الشفافية والنزاهة، فيما روائح الصفقات فوق الطاولة وتحتها، والتوظيفات الإنتخابية، وتفشي عمليات نهب المال العام المسماة بالهدر والفساد، وصلت إلى مستويات غير مسبوقة باعتراف أهل السلطة أنفسهم.
في قراءة نتائج المؤتمر يمتزج التفاؤل بالحذر، تفاؤلٌ بالثقة التي أظهرها المجتمع الدولي بلبنان، وحذرٌ من تكرار السيناريوهات اللبنانية السابقة وإجهاض الدعم الدولي بمشاريع وتلزيمات لا ينتفع منها سوى أصحاب الشأن أنفسهم، وقد امتلكوا من الخبرة و”الشطارة” أكثر مما يلزم لصنع ثروات معتبرة . فهل تخوف اللبنانيين من سوء تنفيذ المشاريع في محلّه، أم أنّه يندرج في إطار التشاؤم غير المبرر؟ ماذا يقول أصحاب الشأن ؟
الخبير في الشؤون المالية والإقتصادية الدكتور غازي وزني واكب كغيره من الخبراء ،اليوم اللبناني الباريسي بكثير من الإهتمام، وفي قراءة أولية رأى عبر ” لبنان 24 ” أنّ لقاء 50 مشتركاً بينهم 35 دولة و15 مؤسسة مالية وصندوق دولي من أجل لبنان هو أمر إيجابي بحد ذاته، ويعكس ثقة بلبنان ،”ولكن نجاح أو عدم نجاح المؤتمر يتوقف على المشاريع التي ستختار الحكومة تنفيذها بأموال قروض “سيدر1″، ومردود هذه المشاريع الإستثمارية على النمو الإقتصادي وعلى الأوضاع الإجتماعية والبيئية وغيرها، إضافة إلى العقبة الأساسية الكامنة في قدرة لبنان على تطبيق الإصلاحات المطلوبة لضبط الفساد والهدر”.
وأوضح وزني أنّ الأرقام التي قدّمتها الدول المانحة والتي تجاوزت عتبة الأحد عشر مليار دولار لا يحصل عليها لبنان دفعةً واحدة، بل هي مجزّأة على سنوات عدة، ومرتبطة بالقدرة الإستيعابية للإقتصاد اللبناني، التي تكمن بين مليار ومليار ونصف المليار دولار، مما يعني أنّ لبنان سيحصل على مليار ونصف كلّ سنة، كما أنّ هذه المليارات هي وعود، وقد لا يحصل عليها لبنان كاملة، وعلى سبيل المثال حصل لبنان من مؤتمر باريس 3 على 57 % من مجمل الوعود.
لا يخفي وزني خشيته من الأداء السياسي، فالدول المانحة اشترطت تطبيق جملة من الإصلاحات في المالية العامة والقطاعات الإقتصادية وإشراك القطاع الخاص، وفي هذا السياق يفنّد هواجسه قائلاً “لدي تخوف على صعيدين، أولاً أن يحول الفساد المستشري والمحاصصات التي تحصل مناطقياً وسياسياً دون تحقيق القروض للأهداف الأساسية، وثانياً أتخوف من أنّ يحصل لبنان على نسبة أقل بكثير من الأرقام والوعود التي اعلنت في المؤتمر،كما حصل في باريس 1 و2 و 3”.
بطبيعة الحال قروض الجهات المانحة رفعت الدين العام في لبنان من ثمانين مليار دولار إلى أكثر من تسعين مليار دولا، والإستفادة منها في نهوض الإقتصاد، وفق رؤية وزني، تتحقق بنمو الناتج المحلي بما يفوق نمو الدين العام وإلاّ نكون أمام مشكلة، والأمر يتوقّف على جدية الدولة اللبنانية بتعزيز النمو الإقتصادي وبخفض العجز في المالية العامة وبتنفيذ الإصلاحات والاجراءات التي تحفّز النمو وتضبط العجز.
وزني فنّد أهداف لبنان من المؤتمر بتخفيض كلفة الإستدانة التي تتراوح في لبنان بين 8 و 10 % وفي المؤتمر تنحصر بـ 1 أو 1.5 % فقط، فضلاً عن هدف تنشيط الإقتصاد الوطني المتردي، وخلق فرص عمل، وزيادة حجم التدفقات المالية الخارجية، ما يعادل الإستقرار النقدي واحتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبي.
وفي أي حال تبقى العبرة في التنفيذ، على أمل أن ينزل “الوحي الإصلاحي ” على المسؤولين، وعندها فقط يشكل ” بلح ” باريس غذاء لبنان.