صرّافون يسرقون شهرياً 15 مليون$ من الطلاب والمواطنين
يمثل صرّافو “الفئة – أ” أمام التحقيق في مفرزة الضاحية القضائية اليوم، بعد أن استدعت مدّعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون عدداً من الصرّافين المذكورين على أن تستدعي البقية، والبالغ عددهم نحو 30 شركة صيرفة (من أصل نحو 45)، لتحقّق معهم، وطلبت أن يصطحَبوا معهم المستندات والجداول الخاصة بالزبائن المستفيدين من الدولارات المدعومة، التي يحصلون عليها يومياً من مصرف لبنان.
معلومات خاصة بـ”أساس” كشفت أنّ عدداً ليس قليلاً من هؤلاء الصرّافين ما زال يستفيد من دولارات مصرف لبنان، إذ يحصل كلّ منهم على 20 ألف دولار يومياً من تلك المخصّصة للطلاب وللعمال الأجانب، لكنّهم في المقابل يمتنعون عن تسليم أغلبها للمواطنين، وإنما يعمدون إلى بيعها للمستوردين والتجّار أو مروّجي العملات، بأسعار أقلّ من سعر “السوق السوداء” بقليل، من خلال إغرائهم بشراء أول 10 آلاف دولار بسعر منخفض (نحو 7000 ليرة لبنانية)، بغية توفير قرابة 13 مليون ليرة، وذلك من أجل الحصول على الآلاف العشرة الثانية، وشرط أن تُدَوّن أسماؤهم في المنصة كزبائن نظاميين.
وبذلك، يكون الصرّاف قد حقّق أرباحاً ، يقال إنّها قد تصل إلى نحو 75 مليون ليرة لبنانية يومياً من خلال هذه العملية، فيما يعاني الكثير من ذوي الطلاب وأرباب العمل من صعوبة، بل استحالة، الحصول على هذه الدولارات، بعد أن أصابهم اليأس والملل من الوقوف على أبواب الصرّافين الذين يجيبون: “ما ضلّ دولارات مدعومة”… المواطنون الذين أذلّهم السؤال عن دولارات بدأت بالشحّ منذ الأشهر الأولى لطرحها وقيل إنّها توقفت، إعلامياً، ليتبيّن أنّ أعداداً كبيرة من الصرّافين ما زالت تحصل على عشرات آلاف الدولارات يومياً من مصرف لبنان، وتبيعها لتحصيل أرباح يعاقب عليها القانون.
وإذا كان كذا صرّاف من “الفئة – أ” يحصل على 20 ألف دولار يومياً، وعددهم 30 صرّافاً، في 25 يوم عمل، بحسب مصادر صيرفية، فإنّ المبلغ اليومي يكون 600 ألف دولار، أي 15 مليون دولار شهرياً يسرقها هؤلاء الصرّافون.
وتشير معلومات إلى أنّ خلفية الاستدعاء الذي تنطلق منه القاضية عون، كان امتناع واحدة من هذه الشركات عن تحويل رواتب عاملة أجنبية في منزل أحد القضاة، الذي أصابه الحنق من التلكؤ والتأجيل والتأخير، فأقام دعوى ضدّ هذه الشركة التي يقول مالكها إنّ “الدعوى مرّ عليها نحو 5 أشهر وانتهت في حينه بعد أخذ الإفادات والاستماع إلى الطرفين”، ويؤكد أنّ شركته مذّاك امتنعت عن استلام الدولارات من مصرف لبنان من أجل “سواد الوجه” الذي يلحق بالصرّافين جرّاء “المبالغ القليلة التي يسلّمها مصرف لبنان لهم”.
ويبدو أنّ الأمر تطوّر اليوم على خلفية هذه القضية، مع استدعاء القاضية عون جميع الصرّافين المستفيدين من هذه الدولارات. كما يبدو أنّ القاضية عون “وجدت في الملفّ فرصة”، للتصويب على ما تعتبره مخالفات يرتكبها مصرف لبنان بواسطة هذه الآلية، التي تشوبها فعلاً، الكثير من المخالفات وعلامات الاستفهام، بشهادة مئات المواطنين الذين يقصدون الصرّافين ويعودون أدراجهم خائبين، والمئات ممن توقفوا عن السؤال بعد يأسهم.
أما الصرّافون المتهمون، فيعتبرون أنّ في الأمر تجنٍّياً ضدّهم، كما يضعون الدعوى في إطار التشفّي والكيد. واحد من صرّافي “الفئة – أ” كشف لـ “أساس” أنّ الملفّ “تفوح منه رائحة الكيد”، معتبراً أنّ الصرّافين علاقتهم “محصورة بمصرف لبنان”، وتحديداً بلجنة الرقابة على المصارف. وإذا تطوّر الأمر فقد يتخطّى اللجنة والمصرف إلى النيابة العامة المالية، تماماً مثلما حصل في المرّات السابقة مع استدعاء بعض الصرّافين، لكن أن “نُستدعى إلى النيابات العامة؟ فمن المؤكد أنّ الأمر على اتصال بالخلاف الواقع بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والرئيس ميشال عون على خلفية إفشال التدقيق الجنائي، ونحن من سيدفع ثمنه”.
أما مصرف لبنان، فتشير مصادره إلى أنّ النيابة العامة “غير مخوّلة بالاطلاع على كامل البيانات” بهذا الشكل المفضوح، لأنّ الجهة الرقابية على هؤلاء هي لجنة الرقابة على المصارف، فيما عقوبة المخالف منهم، هي الشطب. وتضيف المصادر أنّ استدعاء عون لهؤلاء الصرّافين والاطّلاع منهم على أسماء الزبائن والبيانات بالتفصيل وحجم التحاويل وكمية الدولارات التي حصلوا عليها وكيفية بيعها، يُصنّف من بين إجراءات الفوضى وتضارب الصلاحيات بين السلطات القضائية.
فبحسب المصادر، يمكن لعون الاطّلاع على الجداول التي تحويها المنصة وإحصاء المستفيدين، كما يمكنها التأكّد من عدم تكرار اسم المستفيد مرّتين ضمن الشهر الواحد، وإن كان هناك من تكرار لأيّ اسم، فللقاضية عون الحقّ بالطلب من اللجنة اتخاذ المقتضى القانوني بحقّ شركة الصيرفة المخالفة.
وهذا يعني بحسب ما سبق سرده أعلاه نقلاً عن المصادر وعن أحد الصرّافين، أنّ للمتهم الحقّ بتحديد الجهة التي ستحاسبه عند المخالفة… لنقع مجدداً في “مطبّ السرية المصرفية” الذي يتمسّك به مصرف لبنان في مواجهة طلب التدقيق الجنائي في حساباته، وهذا طبعاً ليس منطقياً على الإطلاق.
ويذكر القانون رقم 374 تاريخ 2001 الذي ينظّم مهنة الصرافة في لبنان، في المادة 14 منه التالي: “يعهد بالرقابة على مؤسسات الصرافة إلى لجنة الرقابة على المصارف ولا تخضع سجلات وقيود ومحاسبة مؤسسات الصرافة لأحكام قانون سرية المصارف الصادر بتاريخ 3 أيلول 1956 ولا إلى أحكام المادة 151 من قانون النقد والتسليف”.
أما المادة 151 في قانون “النقد والتسليف”، فتقول: “على كلّ شخص ينتمي أو كان انتمى إلى المصرف المركزي، بأية صفة كانت، أن يكتم السرّ المنشأ بقانون 3 ايلول سنة 1956. ويشمل هذا الموجب جميع المعلومات وجميع الوقائع التي تتعلّق ليس فقط بزبائن المصرف المركزي والمصارف والمؤسسات المالية، وإنّما أيضاً بجميع المؤسسات المذكورة نفسها، والتي يكون اطلع عليها بانتمائه الى المصرف المركزي”.
وهذا يعني أنّ القانون لا يلحظ أيّ “سريّة مصرفية” على قيود الصرّافين، لكن يبدو أنّ القاضية عون قد لجأت إلى خيار التحقيق مع الصرّافين أنفسهم، بعد أن طالبت المصرف المركزي بهذه البيانات وامتنع عن تسليمها إياها، بحسب ما تكشف مصادر خاصة بـ”أساس”.
المواطنون مغبونون في هذا الملف؟ صحيح.
القاضية غادة عون تحرّكها محاولة تطويق رياض سلامة بإيعاز من الرئاسة؟ ربما صحيح أيضاً، لكن الأكيد أنّ الملف محقّ، وأنّ الصرافين ما عادوا يشبعون.
لكن يبقى سؤال يصرخ بأعلى صوته وسط هذه الأزمة القاتلة والجاثمة على شفا الانهيار: هل من مصرف مركزي في العالم بأسره، يدفع من دولاراته للصرّافين من أجل تسديد رواتب عمّال أجانب؟
مشهد سريالي آخر يكفي لتوصيف حجم الفوضى والتخبيص بلا هوادة.
اساس ميديا