طباخ بوتين السابق:تجريب عقاقير كيماوية على أسرى ومعتقلين

المدن 

تم مؤخراً الكشف عن أن رجل الأعمال يفغيني بريغوجين، الطباخ السابق للرئيس الروسي، المقرب من الكرملين والمشمول بالعقوبات الأميركية بسبب تدخله في الانتخابات الأميركية، مرتبط ليس فقط بالقرصنة الالكترونية والشركات الأمنية الخاصة (فاغنر)، وانما يرتبط بقصص تشبه أفلام السينما. وهو صاحب شركات نفطية وامنية خاصة تعمل في دول عديدة ومنها سوريا.

حديث مع عنصر امني سابق لدى بريغوجين
التقت صحيفة “نوفايا غازيتا” الروسية مع الشخص الذي تحدث عن الاعمال القذرة التي يقوم بها بريغوجين، حيث شارك في الاعتداء على المعارضين والمدونين وقام رجاله بعمليات خاصة داخل روسيا وخارجها. وهذا الشخص الذي تحدثت إليه الصحيفة، عمره 61 عاماً واسمه فاليري آميلتشينكو.

يقول آميلتشينكو إنه تعرف إلى أزلام بريغوجين، وبدأ العمل معهم في نهاية عام 2012 وبداية 2013. 

والذي استقطب آميلتشينكو هو صاحبه اندريه ميخائيلوف، الذي اشتهر باعماله الاستفزازيه عام 2013 ضد مجلة “فوربس” و صحيفة “نوفايا غازيتا” وغيرها. وكذلك ضد الكاتب الروسي دميتري بيكوف. واعترف ميخائيلوف لصحيفة “نوفايا غازيتا” بأنه هو الذي استقطب آميلتشينكو للعمل مع مجموعة بريغوجين.

وآميلتشينكو نعرف عنه القليل. فقد شارك عام 1999 في عملية سطو في سان بطرسبورغ وسرق سيارة من طراز نيسان بترول، وسجن حتى 2004.

آخر مرة التقى فيها مراسل الصحيفة مع آميلتشينكو كان في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 في بطرسبورغ. واخبره بعد ساعات بانه ملاحق واختفى الرجل. وكانت نشاطاته بين كييف وموسكو وتينيريف ودمشق. 

وتحدث آميلتشينكو عن ضربه لمدون في سوتشي، وقتل شخص في لوغانسك وعن مهمته الغريبة في حمص السورية وعن مهمته الفاشلة في كناري. وبدأ التعارف على آميلتشينكو بعد تسميم السيد سيرغي ميخوف (وهو باحث اجتماعي يصدر مجلة بعنوان “علم آثار الموت الروسي”) وزوجته تعمل محامية في صندوق محاربة الفساد في روسيا (الذي اسسه المعارض المعروف الكسي نافالني).

في 25 نوفمبر/تشريؤن الثاني 2016، كان بانتظار ميخوف شاب يحمل باقة ورد. اقترب منه وضربه ابرة أفقدته وعيه، وعلى اثرها تم اسعافه وعلاجه وخرج من المستشفى. ويعتقد الاطباء بان ميخوف تلقى حقنة من مادة تسبب مرضاً عصبياً ولم يتمكنوا من تحديد اسمها لسرعة ذوبانها وتفككها. ولو لم يتلقَ اسعافا سريعا لمات الرجل.

وقد يكون سبب الاعتداء عليه إما مقالاته عن الفساد في عمليات دفن الموتى، والخدمات التي تقدم خلالها، أو من قبل رجال بريغوجين بسبب التحقيق في نشاطاته من خلال صندوق محاربة الفساد (نافالني)، حيث حصل بريغوجين على عقود لتوريد الطعام للجيش الروسي تقدر بمليارات الروبلات.

والطريف في الأمر أن الكاميرا المثبتة أمام العمارة سجلت صورة المعتدي على ميخوف ونشرت الصورة في الصحف بعد ساعات. وعرف اسمه بعد سنتين فقط وهو اوليغ سيمونوف (مواليد 1982 من محافظة آمور ومقيم في بطرسبورغ) . وقد اقرت زوجته بالصورة وقالت انه زوجها. ولكن الحديث مع سيميونوف كان مستحيلا لانه وجد مقتولا في الحمام في شقته في ظروف غامضة في مايو/أيار 2017.

آميلتشينكو بدأ بالتحدث الى الصحافي بعد جهود ومساعي كبيرة، واكد ان سيميونوف كان صديقه وان وراء قتله ازلام صاحب العمل وخاصة بعد ان اكتشف الصحافيون صورته. ويبدو ان الصحيفة لم تستطع تأمين حياة آميلتشينكو نفسه بالرغم من الاتفاق على ذلك.

في نهاية 2014 كان اميلتشينكو تابعاً في العمل لصاحبه ميخائيلوف وقام بتشكيل عصابة من فلاديمير غلادينكو وسيرغي كوزنتسوف. وعمل ميخائيلوف في مبنى كله مكاتب تابعة لبريغوجين. قامت عصابة ميخائيلوف بأعمال خاصة بتكليف من جماعة الامن التابعة لبريغوجين بقيادة يفغيني غولياييف.

وعن المهمات الخاصة قال انها من نوع مراقبة بعض الأشخاص والحاق الضرر بسيارة بعضهم ومراقبة مقر صحيفة “نوفايا غازيتا” في موسكو. وكان بريغوجين قد ارسل فتاة من قبله عملت في الصحيفة في قسم الدعاية، وقامت بالتجسس على كل من يعمل بالصحيفة وعلى نشاطات الصحيفة. كما قامت جماعة بريغوجين مرة باصطناع حادثة سير مع سيدة اعمال كانت على خلاف حول عقار مع بريغوجين.

في مايو/أيار 2017 اشتكى ميخائيلوف الى الشرطة بانه ارتكبت جريمة ضده من قبل شخص عمل مع بريغوجين أيضا، ادعى بأنهم اختطفوه الى الغابة وضربوه واجبروه على كتابة ورقة بانه مدين لهم بمبلغ 3 مليون روبل، والتنازل عن حصته في شركة “ميريديان”.

في خريف 2013، ذهب أميلتشينكو الى مدينة سوتشي واعتدى مع اخرين على احد المدونين، الذي كان يكتب بشكل سيء عن بوتين. (الحقيقة ان المدون كان ينتقد النواقص والسلبيات في حياة مدينة سوتشي، ونشر مرة كاريكاتير عن بوتين نقله من صحيفة لوموند الفرنسية) ويقول اميلتشينكو بان المدون بقي على قيد الحياة “لكنني اشك انه في حالة صحية طبيعية”. وبعد الاعتداء عليه تم الغاء كافة حسابات المدون وقام بتغيير مكان عمله.

الترانزيت الاوكراني
اكد اميلتشينكو بانه كان في الميدان في كييف أيام الانقلاب على الرئيس يانوكوفيتش (2013-2014) بتكليف من جماعة بريغوجين.

أندريه بيتشوشكين- ضابط شرطة سابق واحد رجال بريغوجين وشوهد في رحلات كثيرة قام بها رجال بريغوجين في شركة “فاغنر” الأمنية الخاصة وشركة “يفروبوليس” وغيرها. عمل في سنوات 2014-2016 في لوغانسك ودونيتسك باوكرانيا وذكر بعض عمليات الاغتيال التي قاموا بها. 

قتلوا مدوناً آخر اسمه سيرغي تيخونوف وهو معارض روسي مقيم في مدينة بيسكوف عمره بين 40-45 سنة، بالطريقة السابقة نفسها، وكانوا يتصلون بابن المدون ليتأكدوا من موته وحتى أنهم ذهبوا الى المقبرة ليصوروا قبره. والغريب ان كل الناس يعتقدون انه مات بسكتة قلبية. وتشير المعلومات ان عمليات التسميم شاركت فيها فرق كاملة تقوم بالمراقبة وتأمين نجاح العملية.

سوريا
أهم نشاط لاميلتشينكو كان في سوريا. ورفض الحديث عن الكثير من العمليات نتيجة الخوف.

في 12 فبراير/شباط 2017، ذهبت مجموعة من الجهاز الأمني لبريغوجين. وكانت رحلتهم من بطرسبورغ الى إسطنبول وبعد ترانزيت لبضع ساعات الى بيروت. ومن لبنان اتجهوا الى دمشق بمرافقة عسكرية من اشخاص عرب (على الاغلب هم سوريون).

تكونت المجموعة من : آميلتشينكو- سيميونوف- غلاديينكو- سيرغي كوزنتسوف وفيتشيسلاف فارييف. وقاد المجموعة عنصر من جماعة بريغوجين اسمه سيرغي غوبانوف (الذي كان ضابطا سابقا في الشرطة وهو احد مؤسسي “رابطة حماية مصالح متقاعدي الحروب المحلية والنزاعات المسلحة”). 

من مؤسسي الرابطة قائد شركة “فاغنر” اندريه تروشيف – بطل روسيا وأوليغ يروخين -المدير العام لشركة “يفروبوليس”.

مهمة المجموعة في سوريا تجريب أدوية ومواد كيماوية مختلفة على المعتقلين من قبل الجيش النظامي السوري من عناصر “داعش وغيرهم من المقاتلين”. وكما نفهم من حديث اميلتشينكو انه بقدومهم الى سوريا اكتشفوا ان لا أحد ينتظرهم، ولا يوجد معتقلون او اسرى للتجريب عليهم. ويقول ان المجموعة كانت لبعض الوقت في طرطوس ثم انتقلت الى حمص وكانت في مطار “التيفور”. وتلقوا تعليمات من المسؤول الكبير من بطرسبورغ تصر على تنفيذهم للمهمة مهما كانت الصعوبات. 

واقترح أحد افراد المجموعة تجريب الادوية على العناصر المكلفة بخطف مقاتلي “داعش”  (ISIS Hunters) والذين كانت “فاغنر” تقوم بتدريبهم على بعد 80 كيلومتراً عن حمص.

“رمونا في سوريا” يقول اميلتشينكو.، ويضيف “لانهم قالوا لنا اذهبوا الى سوريا حيث ينتظركم الاسرى وجربوا ما لديكم والا بقاءكم في سوريا ارحم لكم من العودة”.

وتابع “اضطررنا لإرتداء زي خاص بالنيابة العسكرية. وهناك كان أناس لايريدون القتال.. كنا نحقق معهم في مدينة حمص بواسطة مترجم. عملنا انفسنا محققين. لماذا لا يريدون القتال؟ كان عليهم القتال شهرين- ثلاثة ثم أخذ اجازة الى 10 ايام. وكان لدينا شخص – صلة الوصل مع قيادة فاغنر- لقبه يوريتش ولا نعلن اسمه الحقيقي وهو عضو قيادي في شركة فاغنر منذ 2015. لكنه حاليا تم تخفيض مرتبته في الشركة ويعمل مدربا في مولكينو. وهو عقيد متقاعد ومن القياديين المهمين في شركة فاغنر”.

يضيف “استأجروا لنا بيتا ممتازا بعيداً عن القاعدة العسكرية. وكان عدد المقدمين للتحقيق من 5 الى 7 اشخاص. كنا نحقق معهم (اميلتشينكو وسيميونوف) وكان اوليغ سيميونوف في المطبخ يجهز لنا القهوة والشاي وبعد ان يشرحوا أسباب عدم ذهابهم للقتال يقدم سيميونوف قنينة عصير لكل منهم – عصير سوري مختوم في قناني زجاجية”.

ويوضح اميلتشينكو بان قناني العصير كانت مضافة اليها مادة كيماوية لها مفعول غير سريع. وجرت التحقيقات في جو طبيعي.

وبعد ساعات تم اعتقاله ومعه غوبانوف ولاحقا سيميونوف من قبل المخابرات العسكرية السورية، وتم تجريدهم من السلاح (كان لدى المجموعة رشاشات ومسدسات) ونقلوهم الى دمشق وتعرضوا لتحقيق طويل.

وسبب اعتقالهم هو تسمم وموت ضابط سوري كبير من المخابرات كانت مهمته المتابعة والاشراف على “فرق اختطاف مقاتلي داعش”، وقد يكون شرب عصيرا من المقدمين للتحقيق او شرب شايا في المطبخ بعد انتهاء التحقيق.

واصطحبتهم المخابرات العسكرية في طريق دمشق حمص حيث ادعوا انهم اشتروا “العصير السام” وبعد ان بحثوا عن المخزن الذي باعهم العصير ولم يجدوه اطلقوا سراحهم.

وعلم اميلتشينكو بان العناصر الخمسة الذين تم التحقيق معهم تسمموا ولكنهم لم يموتوا بل أصيبوا باسهال واستفراغات. الاعراض نفسها كانت لدى اميلتشينكو و يوريتش ولكنهم تعالجوا وتعافوا.

وتم انهاء العملية بعد موت ضابط المخابرات السوري. وعاد اميلتشينكو مع أغلب عناصر المجموعة الى بطرسبورغ عبر بيروت وإسطنبول في 29 مارس/آذار 2017.

وبحسب اقوال اميلتشينكو، فإنه وصل الى سوريا بطريقة مستقلة عن المجموعة المذكورة كل من بيتشوشكين الذي وصل قبل أسبوع من المجموعة بطائرة عسكرية من حميميم الى مطار تشكالوفسكي، برفقة غلاديينكو الذي عاد بسبب عيد ميلاد ابنه.

وجرت حوادث تسميم أخرى في سوريا عام 2017. فقد علمنا من مصادرنا المطلعة على شركة “فاغنر” بأنه وصل من بطرسبورغ شخصان من جهاز أمن بريغوجين، لحل بعض المسائل مع ممثل المخابرات السورية، كان مسؤولاً عن اختيار السوريين. وقيل انه مات نتيجة التسمم وعاد الشخصان الروسيان الى روسيا في حالة صحية سيئة نتيجة تسممهما بالحلويات التي اشتروها بالطريق وهم مسافرون. (المصدر الذي افادنا بالمعلومة واميلتشينكو لا يعرفان بعضهما البعض).

وتم العثور على صور لمدينة طرطوس في موبايل اميلتشينكو، تم العثور عليه في مكان قتله في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018. وبينها صور له يحمل السلاح ويلبس الزي العسكري. وهناك صور عرضها علينا قبل موته مع قائد مجموعة “فاغنر”.

تقول الصحيفة “عندما سألنا غلاديينكو حول سفره الى سوريا أجاب بانه لم يذهب الى دمشق بل وصل الى بيروت، بحثا عن العمل في البناء، بدعوة من اميلتشينكو. ولكن هذا الكلام يبدو كذبا لان المجموعة لا يوجد فيها أي شخص يتقن اللغات الأجنبية ولا يعرف مهنة البناء”.

واتصلت الصحيفة ببعض أعضاء المجموعة فنفى بعضهم سفره الى سوريا وبعضهم لم يرد. ولكن لدى الصحيفة توجد وثائق تثبت سفرهم الى سوريا. ووجهت رسائل من الصحيفة الى بريغوجين لمعرفة انتماء بعض الأشخاص الى شركاته فلم نحصل على رد حتى اليوم.

اندريه بيتشوشكين وافق على الحديث مع الصحيفة بعد سلسلة معقدة من الاتصالات. حتى اصدار هذه المادة في الصحيفة لا نعرف مصير اميلتشينكو. وقد يكون هو من مثل عملية اختطافه واختفائه لكي يتخلص من الملاحقة وخطر الموت. ولا نستبعد انه بعد لقاء مراسل الصحيفة غير موقفه وسيصرح قريبا عن موقف مناقض وينفي كل ما قاله لنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى