لبنان نحو التدويل…
لم يكن أدلّ من «التدويل» الذي بات يظلّل الواقعَ اللبناني وأزماته المتشابكة من تَزامُن مَظاهِره على تخوم 3 ملفات سياسية ذات أبعاد إقليمية ومن ورائها العنوان المالي – الاقتصادي الذي يشكّل في ذاته صاعقاً قابِلاً لتفجيرِ ما تبقى من بنيانٍ لدولةٍ تكاد أن تتحوّل «هيكلاً عظمياً».
… من فرنسا التي لا تفارق «السمّاعة» متابَعةً لعملية تأليف الحكومة بمواصفاتِ مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون التي لم يبقَ منها إلا «اليافطة» الإصلاحية بعدما جرى «التسليم» بتعويم الطبقة السياسية نفسها التي أوصلتْ البلاد إلى الانهيار الكبير… إلى الولايات المتحدة التي «ترابض» على طاولة الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل وسيطاً نالَ بإطلاق هذا «القطار» بضوء أخضر من «ا ل ح ز ب » ومن خلفه إيران «هدية ثمينة» تحاول بيروت إدارةَ مفاعيلها بين حدّيْ استعادة الحقوق تمهيداً للاستفادة من ثروة غازية – نفطية كامنة وتَفادي «التطبيع مع العدو»… مروراً بموسكو التي تحضّ بيروت ضمناً على تطبيعٍ مبكّر مع النظام السوري عبر دعوته لأن يشارك بـ «أعلى مستوى» في مؤتمر دمشق الدولي في 11 و12 نوفمبر والمخصّص لعودة النازحين… وليس انتهاءً بـ «طريق الحرير» المالي الذي لن يكون ممكناً بلوغُه إلا عبر اتفاقٍ مع صندوق النقد الدولي وفق دفتر شروط قاسٍ لا تغيب «القطب» السياسية عن أرضيّته التقنية.
والمفارقة الأكبر في رأي أوساط مطلعة في بيروت، أن كل هذه الملفات سـ «ترِثها» الحكومةُ التي يَمْضي الرئيس المكلف سعد الحريري في محاولة تأليفها قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من نوفمبر المقبل، واستباقاً لبروزِ تطورات في المنطقة يمكن أن تبدّل في حسابات اللاعبين المؤثّرين في الوضع اللبناني، خصوصاً أن الاقليم يقف على أرض متحرّكة وسط تقاطُع أكثر من «خط زلازل» وانتقاله في الأيام الماضية إلى «عين عاصفة» الرسوم المسيئة للإسلام التي فتحت الباب أمام أزمة بين فرنسا والعالم الاسلامي تردّدت أصداؤها ولو «على البارد» في بيروت.
وإذ شكّل الموقف الناري الذي أطلقه الرئيس رجب طيب أردوغان بحقّ ماكرون ومخاطبته «بعد زيارتك لبيروت عقب تفجير المرفأ، لم تجد ضالتك هناك وتم طرْدُك، وسيتم طردك كلما جرى التعرف على نياتك الحقيقية» مؤشراً إلى «الهبّات الساخنة» التي قد تدهم «بلاد الأرز» من «أبوابِ ريحٍ» عدة، وسط اعتبار كثيرين أن لبنان «محظوظٌ» في هذه المرحلة لكونه خارج دائرة التأثير التركي في أوضاعه، فإن الأوساط المطلعة اعتبرتْ أن تصاعُد التوتر بين باريس وأنقرة يفترض أن يكون عاملَ تحفيزٍ أكبر للاليزيه على النجاح، ولو «بالتي هي»، في الملف اللبناني الذي بات أحد عناوين حضورها المستعاد في المنطقة ومعياراً لمدى فاعليته، وهو ما تراهن على تحقيقه مستفيدةً من حصول واشنطن على «ورقة» الترسيم البحري الذي عُقدت جولة مفاوضاته الثانية أمس على أن تلتئم الثالثة اليوم في مقر «اليونيفيل» في الناقورة وبرعاية الأمم المتحدة.
وفي هذا الإطار، لم تَخْرج بيروت من أجواء التفاؤل بإمكان تأليف الحكومة بحلول نهاية الأسبوع ما لم تُستخدم بعض النقاط التي ما زالت عالقة في مفاوضاتِ «السكوت من ذهب» التي يحْصرها الحريري علناً برئيس الجمهورية ميشال عون، لابتداعِ تعقيداتٍ تفرْمل مسار التشكيل وترْهنه باستحقاقات خارجيةٍ.
وإذ كان الحريري يكثّف لقاءاته مع عون، وسط كلام لافت نُقل عن رئيس البرلمان نبيه بري عن أن «الحكومة العتيدة قد تبصر النور في غضون أربعة أو خمسة أيام إذا بقيت الأجواء الإيجابية تسير على النحو القائم حالياً»، بقي الغموض يلفّ حقيقة «شياطين التفاصيل» وسط شبه حسْم العناوين التي باتت مُنجَزة وأبرزها بقاء حقيبة المال مع المكوّن الشيعي وتوزير اختصاصيين تختارهم القوى السياسية، من دون تحديد آلية حصول ذلك، ومبدأ المداورة الطائفية في كل الحقائب (ما خلا المال)، ليبقى السؤال كيف سيتم توزيعها حزبياً وسياسياً واسمياً على الاختصاصيين «المُجرّبين».
ولم يكن ممكناً أمس الجزم بشكل قاطع إذا كانت جرت «المصادقة» سياسياً على شكل الحكومة (20 وزيراً أو أقل)، في ظل تسليمٍ ضمني بأن الداخلية ستنتقل من حصة الحريري إلى فريق عون لتؤول الخارجية الى المكوّن السني، ليستمر الأخذ والردّ حول الوزارات الخدماتية الأساسية وكيفية توزيعها وفق معيار واحد على الطوائف ثم على القوى السياسية، ومن دون حسْم طريقة إخراج «الطاقة» من كنف «التيار الوطني الحر» بعدما أشيع أن «ا ل ح ز ب » أبدى مرونة خيال التخلي عن الصحة.
ولم يحجب هذا الملف الأنظار عن «مفاوضات الناقورة» والتي واستمرت جولتها الثانية لنحو 3 ساعات على عكس الأولى التي كانت «بروتوكولية» وتَعارُفية، وسط ملاحظة أن مفاوضات أمس ترأسها أحد مساعدي المنسّق الخاص للأمم المتحدة يان كوبيتش في موازاة حضور الوسيط الأميركي السفير جان ديروشر.
“الراي الكويتية”: