موسم فرار اللبنانيين إلى اسطنبول.. للعمل والاستثمار والعبور والتشرد

مع تفاقم الوضع  المعيشي والاقتصادي في لبنان، وتدهور القدرة الشرائية للأجور، وأزمات البلاد المتتالية، وآخرها انفجار مرفأ بيروت، وجد اللبنانيون أنهم أمام مستقبل غامض ومبهم الملامح، اقتصادياً وأمنياً وحقوقياً وسياسياً. فحياتهم ومعيشتهم وبيوتهم صارت عرضة للخطر.

وحيال هذه الأوضاع غادر لبنان من يملك منهم جنسية مزدوجة، وخصوصاً أوروبية وأميركية. وعلى  الرغم من صعوبة قبول طلبات اللبنانيين  للهجرة إلى دول الغرب وارتفاع تكلفتها، ومصاعب الحصول على فيزا، تقدم آخرون بطلبات هجرة إلى دول عدة.

متشرد في اسطنبول
وبما أن السفر إلى تركيا لا يحتاج إلى تأشيرة دخول (فيزا)، راح يقصدها قسم ثالث من اللبنانيين، تحضيراً للالتحاق بمن سبقوهم إلى أوروبا.

“لن نجوع في بلادٍ كلابها الضالة تعيش بأمان، وتحصل على قوتها اليومي. لذا أفضل التشرد هنا في اسطنبول على العودة إلى لبنان”، يقول علي سليم (25 سنة)، وهو من جنوب لبنان، وأحد من عصفت بهم الأوضاع المزرية في البلاد، ورمتهم  في  شوارع اسطنبول، بعد شهر من تفجير مرفأ  بيروت. في حديثه إلى “المدن” يروي علي أنه سافر منذ شهر إلى تركيا، رغم أن لا عمل ولا مأوى ينتظره فيها. “كانت خطوة صعبة جداً، لكن العيش في لبنان يفوقها صعوبة”، قال هو من شارك في التظاهرات الشعبية منذ بداية 17 تشرين 2019. وقبل تركيا غادر إلى أفريقيا، آملاً في أن يغير حياته ويضمن مستقبله هناك. لكن أمله خاب، فعاد أدراجه إلى لبنان في بداية أزمة كورونا. و”بعد انفجار بيروت تدهورت حالتي النفسية كجميع اللبنانيين. فأردت الفرار من لبنان بأي وسيلة. وكانت تركيا خياري لأن الدخول إليها لا يتطلب فيزا.. وسرعان ما أصبحت من اللاجئين في اسطنبول”.

يعيش علي على المبلغ الضئيل الذي أدخره قبل وصوله إلى تركيا، على أمل أن يجد عملاً هناك، يسمح له بالحصول على إقامة قانونية. “لكن مدخراتي نفدت ولن أجد عملاً، وانتهى بي المطاف إلى التشرد، كسواي من اللاجئين السوريين. أتشرد هنا أفضل من العيش في لبنان الذي لن أعود إليه. لم يعد لبنان بلداً صالحاً للعيش”، يختم علي.

عاملان في اسطنبول
وغادرت يارا مع صديقها نادر إلى تركيا، بعدما فقد نادر عمله، وأمضت هي السنوات الثلاث الأخيرة في لبنان عاطلة عن العمل. يارا حاصلة على شهادة عليا في العلاج الفيزيائي. وبعد تخرجها فتحت عيادتها الخاصة، ولكن سرعان ما أقفلتها بسبب تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد. أما نادر فحاصل على إجازة في المحاسبة، وكان لديه عمل وراتب، قبل تفشي فيروس كورونا، الذي قلص راتبه من  مليون ونصف المليون ليرة (ألف دولار) إلى 800 ألف ليرة (أقل من مئتي دولار، بعد انهيار الليرة المستمر). ثم امتنع صاحب عمله عن دفع راتبه ليصبح بلا راتب ولا عمل .

بعد يوم على انفجار مرفأ بيروت، قرر نادر ويارا المغادرة إلى تركيا، وسافرا بالطائرة من بيروت إلى اسطنبول بعد اسبوعين. وتقول يارا: “لم نواجه أي مصاعب لدى وصولنا إلى هنا، على عكس ما عشناه طوال حياتنا في لبنان. ونرى أن أي مصاعب أفضل من مشهد أشلاء الضحايا الذين أبصرناهم بعيد انفجار مرفأ بيروت”.

ويضيف نادر أنه لن يفكر في المغادرة من تركيا إلى أوروبا بطرق غير شرعية: “لا لن نجازف، بل سنبقى هنا، ونعيش حياة قانونية. غادرنا البلاد هرباً من الخراب واللاشرعية المتفشية في الحياة اللبنانية. لقد سئمنا من ذلك. نريد حياة نظيفة. وهنا في اسطنبول سنحصل قريباً على عمل أفضل. ولن نعود إلى لبنان أبداً”.

تركيا الانفتاح والسياحة
تعتبر تركيا ملاذاً آمناً حالياً لكثرة من الشبان العرب، نظراً لسهولة الدخول إليها بلا تأشيرة. وبسبب انفتاح الدولة التركية على شعوب المنطقة، ومنها اللبنانيين. وفي حديثه إلى “المدن” يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية والمالية الدكتور محمود جباعي، إن تركيا كانت تعتبر منذ بدايات الألفية الثالثة من أهم اقتصاديات المنطقة، ولها حضورها القوي في الاقتصاد العالمي. وهي امتلكت أساليب وخططاً اقتصادية متميزة في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات، وخصوصاً السياحية. فانتشرت المطاعم والفنادق والأماكن السياحية، في عاصمتها الاقتصادية اسطنبول.

والانفتاح السياحي التركي، سمح للبنانيين في السنوات العشرين الأخيرة بالتعرف الوثيق على تركيا. فصرت ترى أفواجهم في اسطنبول وفنادقها، مستفيدين من زمن الوفرة اللبنانية، ومن تدني كلفة السياحة في تركيا مقارنة بأوروبا. وبعض رجال الأعمال اللبنانيين استفادوا من هذه الفرصة، فأسسوا أعمالاً في اسطنبول. وهناك فئة من الشبان اللبنانيين راحوا يعملون هناك، من دون حصولهم على شهادات علمية.

طلباً للاستثمار
ومؤخراً سمحت الحكومة  التركية للأجانب بتملك العقارات. وفي بعض الحالات الحصول على جنسية تركية، مقابل استثمارات معينة. فكبرت فرصة المستثمر اللبناني.

وهذا ما يدفع شباناً لبنانيين للهجرة إلى تركيا، فراراً من بلدهم وللحصول على مستوى عيش أفضل. ويضيف جباعي في هذا السياق: “لدى تركيا حالياً نمو متوازن غير متوافر في الدول العربية، وخصوصاً لبنان وسوريا والعراق الغارقة في صراعات مدمرة تجعل العيش والعمل المستقرين فيها شبه مستحيل. وتركيا تستقطب مستثمرين من هذه البلدان”.

وأخيراً في قمة اليأس الذي أحاق بشطر واسع من الشبان اللبنانيين، صارت عاصمة تركيا الاقتصادية (اسطنبول) ملاذاً موقتاً لهم، ودائماً أحياناً. لأن الحياة فيها رخيصة نسبة للدول الأوروبية. ولأن السلطات التركية تتصرف بانفتاح مع شعوب المنطقة، وخصوصاً مع القدرات المهنية والاستثمارية.

الهجرة إلى تركيا
في 2018 هاجر من لبنان نحو 33 ألف شخص، وارتفع الرقم إلى نحو 66 ألفاً في نهاية العام 2019 (رويترز). وحسب الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين، لا تزال أرقام الهجرة من لبنان عامةً، غير واضحة في العام 2020، بسبب تقليص حركة الطيران وإغلاق المطارات، بعد تفشي فيروس كورونا، وقبل فتح المطار منذ شهرين.

لذا، يصعب حالياً تحديد أرقام المهاجرين، ومنهم المهاجرون إلى تركيا. ولكن يبدو واضحاً أن من أصل 120 ألف لبناني يسافرون سنوياً إلى تركيا، هناك 4 ألاف منهم يسافرون إليها بلا عودة منها. من ضمنهم أولئك الذين يعتبرون تركيا محطة عبور (ترانزيت).

ويشير شمس الدين إلى أن وتيرة الهجرة ارتفعت كثيراً في الأشهر الأخيرة. وفي السياق نفسه يؤكد مدير وكالة العجوز للسياحة والسفر، زياد العجوز، أن حوالى 10 في المئة ممن سافروا إلى تركيا منذ فتح المطار، لم يعودوا. وبعضهم سافر ليستثمر، وآخرون للبحث عن عمل، وعددهم في تزايد مستمر.

مروة صعب – المدن 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!