لبنان يدخل المرحلة الخطرة: العينُ على الشّمال..

صدى وادي التيم – أمن وقضاء

 

أكثر من مؤشّر ظهر في الأيّام القليلة الماضية أعطى إنطباعاً واسعاً في مختلف الأوساط عن أنّ الأمور في لبنان إنزلقت إلى مرحلة خطرة، سياسية وإقتصادية وأمنية وإجتماعية، وأنّ معجزة وحدها في زمنٍ ليس فيه معجزات، قادرةٌ على إخراج البلد من أزمته، وإنقاذه قبل فوات الأوان.

أبرز هذه المؤشّرات تعثّر المبادرة الفرنسية لتأليف حكومة جديدة تقوم بإصلاحات إقتصادية ومالية، ومدعومة عربياً ودولياً، بعد إعلان الدكتور مصطفى أديب إعتذاره عن مهمّة تأليف هذه الحكومة بعد اصطدامها بمعترضين كثر، مع استفحال الإنقسام السّياسي والطائفي والمذهبي والشّعبي، وتدهور الوضع الإقتصادي بعد تجاوز سعر صرف الدولار الأميركي في السّوق السّوداء عتبة 8500 ليرة لبنانية، وارتفاع أسعار السّلع الأساسية بشكل جنوني وتضاعفها مرّات عدّة في الأشهر الأخيرة.

وتزامن ذلك مع تراجع القيمة الشّرائية لليرة اللبنانية واتّساع رقعة اللبنانيين الذين باتوا يعيشون تحت خط الفقر، وازدياد حالات السّرقة والإنتحار والطلاق والبطالة والتشرّد، فضلاً عن “هستيريا” الهجرة التي باتت طموح أغلب اللبنانيين بلا استثناء، فضلاً عن توتّرات أمنية متنقلة بين أكثر من منطقة لبنانية، ما أثار مخاوف من تطوّر الأوضاع أمنياً وذهابها نحو الأسوأ.

لكن بعد استقطاب العاصمة الأضواء والإهتمام بعد الإنفجار الكارثي الذي شهده مرفأ بيروت في 4 آب الفائت، والأضرار الهائلة التي لحقت بالمناطق المحيطة به، توجّهت الأنظار إلى الشّمال لمعرفة إلى أين ستتوجه بوصلة الأحداث، في ضوء التطوّرات العديدة التي شهدها الشمال في الآونة الأخيرة.

واللافت أنّ الإهتمام بالشّمال لم ينبع من خلفيات إيجابية، مثل ثقله السّياسي بعد تكليف إبن طرابلس الدكتور مصطفى أديب تأليف الحكومة، أو الإمكانات الإقتصادية الهامة التي يمتلكها: من مرفأ إلى مصفاة ومطار ومعرض دولي وأراض زراعية خصبة، ومناطق صناعية واسعة تحتاج إلى جهد بسيط لتكون قاعدة إقتصادية هامة للنهوض بالبلد ككل، وأيد عاملة وحرفية ماهرة ورخيصة الثمن إذا ما قورنت بغيرها من المناطق اللبنانية الأخرى.

فكلّ هذه الميّزات الإقتصادية الهائلة رُميت خلف ظهور كلّ المهتمّين والمسؤولين، وانحصر معظم إهتمامهم بتطوّرات الوضع الامني تحديداً، خصوصاً بعد وقوع سلسلة حوادث أمنية لافتة، أبرزها ظهور خلايا إرهابية نائمة إلى العلن وباتت تعمل وتنشط بشكل غير مطمئن، واعتداء بعضها على الجيش اللبناني والقوى الأمنية كما حصل في البدّاوي وكفرحبو ورشعين وعشاش وحيلان وصولاً إلى وادي خالد وعرمان، ما جعل الأيدي توضع على القلوب خشية أن يكون ذلك مقدمة لحصول توتر أمني أوسع، لا يعرف أحد مداه وتداعياته المختلفة.

والواقع أنّ هذا الخوف لم ينبع من وجود أرضية وبيئة حاضنة لهذا النوع من الإرهاب والتطرّف، وهو ما تمّ نفيه مراراً من خلال تأكيد إيمان أهالي الشّمال وتوقهم الكبير والقديم إلى اهتمام الدولة بهم وتنمية مناطقهم المحرومة، بل من استغلال جهات داخلية وخارجية، أمنية وسياسية، حالة الفقر المزري في الشّمال التي جعلت أكثر من 70 في المئة من سكانه يعيشون تحت خط الفقر، ومن تسلل فكر إرهابي متطرف إلى الشّمال، غريب عن بيئته، مستغلاً نقاط الضعف فيه، وأبرزها الفقر والعوز والجهل وغياب التنمية، والخشية من أن تتحوّل بعض مناطق الشّمال إلى ساحة صراع وتنافس داخلي وإقليمي من أجل تصفية حسابات قديمة وجديدة، لن تكون نتيجتها إلا جعل بعض أبناء هذه المناطق وقوداً مجانياً في صراعات لن تعود عليهم بالنفع أبداً.

عبد الكافي الصمد-سفير الشمال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!