خطاب نصرالله… من يتقن فك “الشيفرة”؟

 – 

في الوقت الضائع بين التكليف والتأليف، كان خطاب أمين عام حزب الله بمثابة تحريك للرمال، فالركود في معالجة الوضع اللبناني والتحديات المرتقبة من الملف الاقتصادي الى ملف النازحين وترسيم الحدود وغيرها من المشاكل التي تعصف بسقف الوطن، تنذر بخطورة المرحلة المقبلة، والبنود التي تطرق اليها السيد نصر الله في كلمته، تحمل دلالات كثيرة لما يخبّئه المستقبل من تطورات على الصعيد المحلي والاقليمي.

واذا كانت حالة المراوحة تطغى على الوضع السياسي العام في عملية تأليف الحكومة، فإن ما يزيد الأمور سوءاً هي تلك التجاذبات بين الافرقاء السياسيين والمطالب والمطالب المضادة في ظلّ متغيرات ليست اولها صفقة القرن على الصعيد الاقليمي ولا آخرها ملف التجنيس على الصعيد المحلي، علماً بأن التراجع المؤقت في السجال السياسي بين الأطراف السياسية والمسيحية تحديدا لا ينبىء حتى الساعة بأن الأمور تتخذ منحى إيجابياً قد يسهل ولادة حكومة العهد الأولى وفق منظور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

وفي سياق متصل، وعلى رغم الايجابية التي رافقت لقاء عون- الحريري الأخير، والتأكيد على التزام التسوية الرئاسية فإن عقدة التأليف السنية والدرزية لم تجد طريقها بعد نحو حلول متوازنة وفق الاحجام والأوزان مع مشاركة الأقليات الطائفية، فكان خطاب امين عام حزب الله على شكل خارطة طريق تساعد في حلحلة الوضع السياسي الداخلي المتأزم حكوميا، مع الإشارة الى عدم تطرّقه لأي “ڤيتو” بوجه اي فريق سياسي لجهة تولي الحقائب سواء كانت سيادية او خدماتية بل داعياً الى الواقعية في انجاز التأليف الحكومي بالسرعة والجدية المطلوبة.

وقد اعتبر السيد نصر الله ان الشأن الوطني والعمل العام لن يكون طريقاً للفوز بمكاسب إذ لن يكون هناك غض نظر عن الفساد والهدر وانعدام الانتاجية، وأن ضياع المعايير الواضحة والمحددة التي تستوجب الالتزام بها في التأليف، هي المشكلة الحقيقية، إذ أكد وجوب الالتزام الدقيق بنتائج الانتخابات النيابية حصراً، والا فإن الثنائي الشيعي سيطالب بزيادة عدد وزرائه وفقاً لحجمه التمثيلي.

من جهة اخرى، فقد كان لملف النزوح السوري الحصة الكافية في شرح ضرورات العودة الطوعية والآمنة تحقيقا للمصلحة الوطنية، وذلك يعني أنّ ما أثير من رهانات مقصودة او غير مقصودة من افرقاء سياسيين حول هذا الملف كانت خاسرة، إذ ان التطورات السورية بحسب مراقبين، سواء شرقا او جنوبا تسير لمصلحة الجانب السوري ولا عودة الى الوراء.

وقد بدا لافتاً تنويه السيد نصر الله الى براءة حزب الله من مرسوم التجنيس وعدم التورط به، ما يشي بأن انجازه يعتبر بمثابة “تهريبة” تكشّفت معالمها متأخراً، وقد أكدّ امين عام حزب الله على ضرورة ان تنصف مراسيم التجنيس المغبونين من سكان القرى السبع وابناء وادي خالد، وكذلك المرأة اللبنانية.

وأكدت مصادر مطلعة، على أن الوضع الامني في بعلبك الهرمل سيكون من صلب اهتمامات حزب الله، لما لهذه المنطقة من خصوصية على اعتبارها حاضنة اساسية للمقاومة وبالتالي فإن الساحة لن تترك “سايبة” للخارجين عن القانون ولن يسمح باستهداف الناس في أمنهم وأرزاقهم والدليل على ذلك رفع الغطاء عن كل مرتكب او مطلوب ودعم الجيش والقوى الامنية للقيام بواجبها.

أما إقليميا، فقد أبقى الأمين العام لحزب الله على الاحتمالات المفتوحة، لجهة وجود كوادر للحزب في اليمن، إذ أنه لم يؤكد ولم ينفِ، وفضّل عدم كشف الاوراق معلناً في الوقت ذاته دعمه وتأييده لفصائل المقاومة سواء في العراق او اليمن معتبرا ان كل الخيارات واردة!

بالمحصلة، فإن مدلولات خطاب السيد نصر الله لا سيما لجهة التشديد على المعايير الموضوعية والمحددة، تدل على حجم القلق من الأوضاع السياسية السلبية التي تسود في البلاد وانحجاب الرؤية عن حقيقة الواقع اللبناني وانعدام المسؤولية في سرعة المعالجة، ويبقى ان نشير الى ان ارتدادات الخطاب ستتوالى في الأيام المقبلة وفقاً لتموضع الأفرقاء السياسيين وارتباطاتهم سواء محليا او اقليميا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى