سر المؤامرة الدولية على لبنان

لم يكن من السهل ابداً ايصال ​لبنان​ الى حفة الهاوية ومنعه من السقوط فيها، ولكن في المقابل، الابقاء عليه معلّقاً في حبال الهواء، وسط ازمة اقتصادية ومالية هي الاسوأ في تاريخه، دون حصول فوضى امنية مطلقة والاكتفاء ببعض اعمال الشغب المحدودة.

شاء من شاء وابى من ابى، هناك حقيقة دامغة لا يمكن الهروب منها وهي ان الازمة دولية بامتياز وليست ابنة ساعتها، وهي مخطط لها ومدروسة. قد يعتبر البعض ان الهدف من هذا الكلام، هو فقط “تهميش” دور ​الحراك الشعبي​ و​التظاهرات​ التي تقام في مختلف المناطق اللبنانية، وعلى هذا البعض ان يطرح على نفسه سؤالاً واحداً فقط، فإما ان يقتنع بأن الازمة سببها دولي واما ان يبقى على افكاره وطروحاته. لم يغب على احد ردود الفعل الدولية من اميركية واوروبية وغيرها، والتي ركّزت كلها بعد ​تشكيل الحكومة​ اللبنانية، على وجوب اعتماد الشفافية ووقف الهدر والفساد في مؤسسات الدولة، كشرط اساسي للتعامل مع رئيس الحكومة الجديد والوزراء. هذا المطلب هو اكثر من محق، وبالغ الاهمية، وممر الزامي للنهوض بلبنان، اما السؤال الذي يجب طرحه هو التالي: لماذا استفاق العالم اليوم بالذات، على وجوب اعتماد لبنان الاصلاح و​محاربة الفساد​ والهدر واستعادة الاموال المنهوبة وغيرها من المطالب المحقة والاساسية لقيام اي دولة؟ ألم يكن ​المجتمع الدولي​ “بالجملة والمفرق” يتعامل مع الحكومات اللبنانية على مدى سنوات وفق منظومة الاستفادة والمصالح الشخصية والمنافع؟ الم يشارك العالم في هذه الجريمة عبر السماح بمنح القروض واغداق الاموال من هنا وهناك واغراق لبنان بالديون المحلية والخارجية عبر سنوات طويلة، وهو يعلم تمام العلم ان ابواب الهدر والفساد مفتوحة على مصراعيها؟ اين كان “جهابذة” الصندوق الدولي و​البنك الدولي​ الذين كانوا يترددون الى لبنان ويدعمون ما يقوم به من اجراءات؟ اين كان لسان يان كوبيتش او من سبقه في منصبه؟ ما الذي تغيّر منذ ​الطائف​ حتى اليوم في هذه السياسات حتى استفاق العالم فجأة على النخوة والشهامة، وقرر “اخضاع” لبنان الى الشروط القاسية كي يستعيد عافيته؟.

لا شك ان شعار “كلن يعني كلن” لا ينطبق فقط على الصعيد المحلي، لان الدول الخارجية كلها معنية ايضاً بهذا الشعار، حتى لو لم يتعاملوا مع المسؤولين اللبنانيين في الفترات المختلفة الاخيرة، الا ان “الساكت عن الحق هو شيطان اخرس”، ولا يستطيع احد ان يتلاعب بنا عبر القول ان الوضع يمثل شأناً داخلياً لبنانياً لم يكن التطرق اليه امراً ممكناً دون المس بسيادة هذا البلد، والا فإن هذه الذريعة تصلح اليوم ايضاً، وبالتالي لا يجب تطبيقها…

واذا اراد احد ايضاً التذرع بالحراك الشعبي للقول بأن الفرصة كانت مؤاتية وهي لم تكن موجودة، ففي هذا الكلام استخفاف واستهتار بعقول اللبنانيين، الذين لطالما رفعوا الصوت عالياً لمواجهة الفساد والهدر ولكنهم لم يلقوا آذاناً صاغية ولا دعماً دولياً يمكّنهم من الاستمرار، على عكس ما يحصل اليوم، لا بل كان مطلوباً ربما اسكات هؤلاء بأي طريقة ممكنة لكي تستمر المصالح الخارجية في الخط المرسوم لها، وعدم اعتراضها من قبل اصوات لبنانية محلية تحاول اصلاح الامور.

لا يجب على احد ادعاء البراءة، ان على الساحة المحلية او على الساحة الخارجية، فالجميع شارك في هذه الجريمة التي طال امدها، والجميع استفاد منها، ولكن الفارقاليوم هو ان المشروع الخارجي وصل الى نقطة فرضت التجاوب مع مطالب الناس والسماح لهم بالتعبير، وهو بحد ذاته “سيف ذو حدين”، لانه عندما يصل هذا المشروع الى نقطة اخرى، فسيستعيد العالم تدابيره السابقة وقد يعمد الى “طمس” اصوات الناس واعادة الامور الى مجاريها، دون اي تغيير او اصلاح.

طوني خوري – خاص النشرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى