تعرفوا على قلعة دوبيه – شقرا جنوب لبنان

تعد قلعة دوبية واحدة من أبرز المعالم الاثرية في منطقة بنت جبيل، وعلى الرغم من أن ابوابها مشرعة امام الزوار الا ان عدداً كبيراً من سكان المنطقة لا بجدون تفسيراً للاهمال المستمر لهذه القلعة منذ سنوات طويلة عدا ان بعض عتبات مداخلها وسقوف غرفها تشكل خطراً على الزائرين ما يجعل القلعة غير آمنة. الا ان هذا الخطر لا يخفي القيمة التاريخية للمكان فالجدران لا تزال منتصبة وبشكل مرصوص في معظم الطبقتين الاولى والثانية الظاهرتين للعيان، وربما كانت هناك طبقات اخرى لا تزال مدفونة تحت الارض.

موقعها

هي قلعة صليبية تقع بالقرب من بلدة شقرا في جبل عامل (جنوب لبنان) وهي قائمة على أنقاض بناء روماني ويبلغ طولها 125 متراً وعرضها 80  متراً.

تقع قلعة دوبية في نقطة مهمة جغرافياً واستراتيجية عسكرياً. بين بلدات شقرا وحولا وميس الجبل على مرتفع تحيط بها الجبال والوديان من جهاتها الثلاث عدا الجهة الجنوبية التي تصلها ببلدة ميس.  وهذه الاودية هي:: وادي السلوقي, وادي الاسطبل ووادي السكيكي.

  • أصل التسمية:

     يميل البعض لتسمية القلعة ب «دوبية» يعود إلى قائد فرنسي حكم المنطقة في القرن الثاني عشر وأن هذه التسمية حسب المؤرخ الراحل السيد حسن الأمين تعود إلى لفظة  آرامية من كلمتين « دو- بية»وتعني بيت الخوابي او مستودع خوابي الزيت مع الاشارة إلى وجود معاصر أثرية في المنطقة التي كانت ربما تستخدم لاستخراج الزيت من اشجار البطم التي تنتشر بكثافة في المنطقة

تاريخ القلعة:

كان لقلعة  دوبية استعمال في  تاريخ لبنان المعاصر, فهي كانت ملجأ الأمير يونس المعني وولديه ملحم وحمدان في وجه الكجك أحمد باشا والي صيدا لما زحف بعساكره لمحاربة أخيه فخر الدين الذي فرّ إلى قلعة «شقيف تيرون» وذلك سنة 1044 هجري .

كانت ممراً ومحطة للقوافل التجارية وشُنت عليها غزوات عدة في الحقبتين الرومانية والصليبية, فهُدمت عمداً بعض حصونها وعقودها من أقسامها العالية (قمة العقد) كما كانوا يفعلون بالقلاع والحصون عند تركها خوفاً من سيطرة العدو عليها والتحصن بداخلها.

وقد اعتمدها الصليبيون منطلقاً لهجومهم على مدن الساحل السوري والمناطق المجاورة لها فشكلت مع غيرها من القلاع العاملية سلسلة دفاعية هامة عن الامارات الصليبية في فلسطين وسوريا وجبل عامل.

وهذه القلعة نالت نصيبها من الهمجية الصهيونية حيث ان القصف استهدف هذا البناء الأثري التاريخي مرتين. ففي حزيران 1969، تلقّت القلعة ضربة مؤلمة، إذ أغارت عليها طائرات «سكايهوك» إسرائيلية فدمرت مدخلها الغربي الرئيسي، ثم دك القصف المدفعي في آب 1973 بعضاً من سقوف غرفها وأحدث فجوات واسعة في جدرانها ولكنها رغم ذلك بقيت  القلعة مأهولة حتى مطلع ستينيات القرن الماضي. ويؤكد المختار السابق لبلدة شقرا عدنان الأمين أن أحد أقاربه المعروف بأحمد المختار، ظل يسكنها مع عائلته حتى سنة 1963، وغادروها بعدما أصبحت خطرة وترميمها ضروريّ.،وبعد ذلك اعتمدها الفدائيون الفلسطينييون معقلا لهم لقربها من فلسطين المحتلة .

وورد في مقابلة صحفية لمجلة الراية مع أحد المعمرين من بلدة شقراء جرت من قبل رئيس تحريرها المحامي فضل الأمين بتاريخ 6/8/1990 السيد عبد الكريم محمود الأمين مواليد 1905 م. وهو شاعر وأديب وفقيه سألناه عن تاريخ قلعة (دوبي) فأجاب: نقل لي بعض المعمرين في أيام شبابي بأن قلعة (دوبيه) والأراضي المحيطة بها قد أعطيت من قبل الدولة العثمانية معاشاً لمفتي بلاد بشارة السيد محمد الأمين الثاني سنة 1875 م وكانت قبلها مهجورة وغير مأهولة بالسكان وأراضيها (محلوله) أي ملك الدولة العثمانية. وقد أصبحت ملكاً للمفتي بموجب فرمان عثماني توجد نسخته الأصلية مع حفيده السيد عبد الحسن الأمين في بلدة الصوانة. وبما أن السيد كان يسافر ويتردد دائماً إلى الشام وحلب، بحكم كونه مفتياً لبلاد بشارة وعكا من قبل الدولة العلية، أثناء ذلك كان يزور أقارب له من آل شمس الدين يقيمون في بلدة الفوعا قرب حلب، وهم من جبل عامل. رأى أن يعيد قسماً منهم إلى وطنهم فاصطحب معه ثلاثة إخوة مع عيالهم وأولادهم، وبعد وصولهم أسكنهم في قلعة دوبي كمزارعين يعملون في حراثة الأرض وزراعتها ويحافظون على القلعة ومحتوياتها. ثم يستطرد السيد عبد الكريم قائلاً: ومنذ ذلك الحين أطلق على هذه العائلة في شقرا وحولا تسمية آل الفوعاني نسبة إلى بلدة الفوعا في محافظة حلب في سوريا التي جاؤوا منها.

وصف القلعة

هي قلعة قديمة لها خندق كبير. فيها حوالي الثلاثون غرفة وحجرة, داخلها يوجد بئر يُعرف بالمشنقة وخارجها خزان كبير حُفر في الصخر الأصم.

وتظهر بوضوح الأبواب والشبابيك والعتبات الضخمة والعقود والقناطر والممرات  والجدران العالية الصادمة او المتهاوية التي تطل من الداخل على ساحة القلعة الوسطى التي تستخدم للاحتفالات او المبارازات , فضلاً عن وجود بعض النواويس والاجران الرومانية ,وأمام القلعة آبار كثيرة كانت تستخدم لتخزين مياه الأمطار.

رغم الوضع المأساوي الذي حلّ بها فأنك عند زيارتك لهذه القلعة لا يزال الفن الهندسي الجميل والمتقن في بناء هذه القلعة بارزاً.

قلعة دوبية تنتظر التأهيل

ٌممت القلعة في الحقبة المملوكية وكذلك اُعيد تأهيلها في التاريخ المعاصر على يد آل الصغير الذين سكنوها في عهد ناصيف  النصار. وإبّان الاحتلال الاسرائيلي لقسم من جنوب لبنان تحوّلت القلعة خط تماس وموقعاً للقصف والمواجهات , فاُهملت وتبعثرت حجارتها وغزاها العشب وباتت أسيرة الإهمال.

زائر هذه القلعة الأثرية التاريخية يشعر بالإهمال المحدق بها وبهذا المعلم السياحي المنسي والخطر الذي يهدد الزائرين لها بانتظار الحكومة او الجهات المانحة إعادة ترميمها.

رغم الدمار المحدق بجدرانها فإنها تعتبر أيقونة ومقصداً للمتنزهين والباحثين عن استجمام طبيعي. وقد بدأت هذه الحركة ما بعد التحرير في عام 2000 رغم الدمار الواسع.

واحدة من خبايا جبل عامل من أهم وأبرز القلاع , فإنك عند زيارتك هذا المعلم السياحي التاريخي لا تعرف ما اذا كان تراب جبل عامل يحتضن هذه القلعة بفيضٍ من الحب والحنين أم هي التي تحتضن ذاك التراب الأصيل وتحميه بجذورها التاريخية من أي غاضب حاقد. في كلتي الحالتين فإنك تراها تسبّح الخالق بروعتها ووقارها وصمودها وشموخها كصمود وشموخ أهل جبل عامل.

السؤال الذي يطرح نفسه , هل مكتوب على الجنوبيين الإهمال حتى في الوجه السياحي؟

ألف تحية لهذه القلعة إبنة الاهمال والاعتداء بانتظار صرخة مدوية علّها تنطق شاكرةً مساعي المنقذين.

اعداد  لينا خليل وخليل الخليل

تصوير السيد غالب قعفراني .

   

      

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى